طالبات القانون في اليمن.. المحاماة بديلًا عن القضاء

Najm Aldain بقلم: نجم الدين قاسم |

استطلاع/ نجم الدين قاسم 

رغم التحول الإيجابي الطفيف الذي شهدته المؤسسة القضائية في اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية، في ما يتعلق بإتاحة الهامش أمام المرأة لدراسة القضاء ومزاولته، وتَصدر نماذج متميزة لقاضيات أثبتن جدارتهن في الميدان القانوني، بخلاف الاعتقادات المشككة في قدرة المرأة في حسم القضايا المرفوعة أمام المحاكم، لاعتبارات تتعلق بالأعراف الاجتماعية والتصورات المغلوطة بشأن قدرة المرأة على تولي القضاء.

مع ذلك، ما تزال نسبة المتقدمات لدراسة القضاء محدودة جدًا، بالمقارنة مع عدد طالبات القانون اللاتي يتجهن إلى مجال المحاماة كبديل سهل وأقل وعورة _أو بالأحرى_ كخيار اضطراري اتقاءً للعوائق الشائكة التي يفرضها الواقع الاجتماعي في البلاد، وفي القلب منها التمييز الجندري الذي يمارس ضد المرأة القاضية، إلى جانب الازدواجية التي يتم بمقتضاها اختيار المتقدمين لمعهد القضاء العالي، الأمر الذي جعل من مهنة المحاماة هامشًا رحبًا يستقطب النسبة الأكبر من طالبات القانون في اليمن.

حيث تكشف دراسة نشرتها “منظمة سام للحقوق والتنمية” أن 03% فقط من خريجات كلية الشريعة والقانون في صنعاء، يتقدمن لاختبارات القبول في المعهد العالي للقضاء، ففي عام 2021، خاضت 12 طالبة اختبارات القبول، للدراسة في المعهد، 4 طالبات فقط من تم قبولهن.

المفارقة أن القانون اليمني لا يتضمن أي محددات جندرية تؤطر الأولويات في المؤسسات القضائية، بقدر ما يركز على الاستحقاق والجدارة، ما يعني وجود متغيرات خارجية في صناعة هذه الفجوة، نحاول استجلاء بواعثها وحيثياتها خلال هذا الاستطلاع، الذي اتكأ على إفادات مباشرة من الوسط القانوني النسائي في اليمن.

كلية الشريعة والقانون.. جامعة صنعاء

كلية الحقوق.. جامعة عدن

تمييز جندري

الطالبة المتخرجة حديثًا من كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، فاطمة عبد الرحمن، ترى أن سبب قلة التحاق خريجات كلية الشريعة والقانون بمعهد القضاء العالي، يعود إلى ما تصفه بـ”التمييز الجندري الذي يمارسه القائمون على مرحلة الاختيار (لجنة الأكاديميين الخاصة بالمفاضلة بين المتقدمين)، في المعهد العالي للقضاء، حتى وإن كانوا أكاديميين إلا أن الاعتقادات المجتمعية تجاه أن تكون المرأة قاضية لازالت تؤثر فيهم”،

وبحسب فاطمة، فإن العدد المحدود من المتقدمات اللاتي يتم قبولهن من قبل لجنة القبول في المعهد، ليس دليلًا على نزاهة الاختيار بقدر ما يعد تحاشيًا للاتهام بممارسة إقصاء للمرأة، وعلى أي حال يعد هذا الاجراء شكلاً من أشكال العنصرية الحاصلة ضد المرأة في هذا الجانب، بالتالي من الطبيعي أن تلجأ المرأة إلى المحاماة كبديل مثالي في وضعٍ كهذا.

في حين تشير، نسيم فرحان، الطالبة بكلية الحقوق جامعة عدن، إلى أن ميل طالبات القانون في اليمن إلى مهنة المحاماة، من واقع كونها مهنة لا تتعارض مع الموروث الاجتماعي في اليمن، بعكس القضاء “في العادة من الصعب اقناع المجتمع اليمني بتقبل فكرة أن تكون امرأة في مهمة القضاء، فالنظرة المجتمعية تجاه القاضيات ليست جيدة، حيث تتعرض بعض القاضيات للتنمر والسخرية،  ومعايرة القاضية بطبيعتها الفسيولوجية (أنها تلد وأنها ناقصة عقل) وهذا لا ينقص من المرأة شيئًا، إلا أن لذلك أثر سيء، خصوصًا على مستوى أسرة القاضية، فبعض الأسر لا تسمح لفتياتها بمواصلة دراسة القضاء حتى وإن كانوا سمحوا لهن بدراسة الجامعة، إلا أن البعض يعتقد أن القضاء الرجل فقط من يستطيعون تحمل أعبائه”.

 

مفاهيم مغلوطة

من جانبها ترى القاضية روضة العريقي عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والقانون بجامعة العلوم والتكنولوجيا، أن انخفاض عدد المتقدمات لدراسة القضاء، دليلًا واضحًا على أن المعلومات المغلوطة والمضللة قد أثرت على المجتمع والأهل في عدم السماح لفتياتهم بدراسة القضاء، بسبب النظرة المجتمعية للمرأة على أنها ربة منزل فقط.

بينما ترى المحامية رغدة المقطري، وجود تغير نسبي تجاه نظرة المجتمع لعمل المرأة بشكل مجمل، لكنها لا تستبعد كون المفاهيم المغلوطة المتجذرة في المجتمع قد أثرت _بشكل أو بآخر_ على رسم الاتجاهات والاهتمامات أمام طالبات القانون في اليمن، الأمر الذي يجعل معظم خريجات الكليات القانونية يتجهن إلى مزاولة المحاماة عوضًا عن الشروع في دارسة القضاء، إلى جانب وجود مشكلة أخرى تتعلق بعدم وجود معاهد لدراسة القضاء في اليمن سوى المعهد الموجود بصنعاء وآخر في عدن، ولا شك أن ذلك له دور في تحجيم مشاركة المرأة القانونية في هذا الجانب، حد قولها.

 

صورة نمطية

“الدراسة في معهد القضاء صعبة بعض الشيء بالنسبة للمرأة، حتى بعد التخرج منه، تظل المرأة القاضية تعاني بسبب الصورة النمطية التي يرسمها المجتمع تجاه عمل المرأة بشكل عام، والعاملات في المجال القضائي بشكل خاص، فالكثير من طالبات كلية الشريعة والقانون لا يرغبن الالتحاق بالسلك القضائي لهذا السبب”، بحسب الطالبة بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، سمية منصور.

من جهته يلفت المحامي محمد المقري، إلى أن المرأة العاملة في القضاء تواجه الكثير من التحديات والصعوبات، منذ اليوم الأول الذي تُقَرِر فيه الدخول في هذا المجال، لأنها تدخل في صراع مع اعتقادات مجتمعية متجذرة تجاه المرأة القاضية، فتغيير قناعات المجتمع تجاه قضية ما يحتاج الكثير من الوقت والجهود، والقاضيات بمفردهن لا يستطعن ذلك، لذلك من الطبيعي أن نرى طالبات كليات الحقوق في اليمن يتجهن نحو المحاماة بشكل كبير، تجنبًا للضغوطات المجتمعية.

 

نحو تكافؤ إيجابي

بموازاة ما سبق، تتواتر الجهود المبذولة من الهيئات والمبادرات الحقوقية المعنية بإحلال توازن الفرص بين الجنسين في المؤسسة القضائية، عن طريق حملات المناصرة، والتوعية الإعلامية ونقاش وبحث الآليات والأسباب التي تقلص مساحة المرأة داخل السلطة القضائية، بما يحقق  المشاركة الفاعلة بين الجنسين كليهما، على غرار ما تقوم به “منظمة سام للحقوق والتنمية”، في هذا الميدان.

ويكاد يكون هناك شبه إجماع على ضرورة تكثيف الجهود من جانب السلطة القضائية في تفعيل دور المرأة بشكل أكثر جدوى وأوسع هامشًا، في سبيل تمكينها من نيل حقها القانوني في المشاركة البناءة في الهيكل القضائي، بالصورة التي تضمن التكافؤ الإيجابي والخلاق في المعايير والفرص بصرف النظر عن الاعتبارات والمفاهيم الاجتماعية أو العنصرية التي تكرس للإقصاء أسس جندرية.

وبالمجمل، رغم العراقيل الكثيرة التي تقف في طريق طالبات القانون في اليمن، عن الانخراط في المؤسسة القضائية، نجحت نخبة من القاضيات اليمنيات في صناعة النموذج المشهود إمكانية أن تكون المرأة قائدة ورائدة ومشرِّعةً وقاضية، وليس محامية وحسب.

 

 

تم نشر هذا الاستطلاع بالتعاون مع منظمة سام للحقوق والتنمية