امتهان المرأة اليمنية للقضاء.. ازدواجية المعايير وتابوهات المجتمع

Najm Aldain بقلم: نجم الدين قاسم |

تقرير: نجم الدين قاسم

 

“حين قررت الالتحاق بمعهد القضاء العالي، قبل ثلاث سنوات، اعترضتني كثير من التحديات، الجميع _بما فيهم الأهل_ كانوا يحاولون اقناعي بالعدول عن هذا الاختيار، الذي كان في نظرهم مجازفة بالنسبة لفتاة في المجتمع اليمني، لكن ذلك زادني اصراراً في المضي قدمًا”.

بهذه الكلمات تروي القانونية وطالبة معهد القضاء العالي بصنعاء، أشواق محمد (29 عامًا) تجربتها غداة قرارها اتخاذ القضاء مهنتها المستقبلية، دون اكتراث للتحديات التي كان تقف في تحقيق حلمها.

ليست أشواق سوى واحدة من قِلةٍ من اليمنيات اللاتي كسرن تابوهات المجتمع الذي يوصف بـ”المحافظ”، في الوقت الذي بدأت فيه ملامح النضج لدى المؤسسات القضائية في اليمن، في استيعاب المرأة، بعد أن كان المجال لعقود حكرًا على الرجال.

تشعر أشواق حاليًا، بالفخر كونها أوشكت على إنها العام الثالث والأخير من دراستها للقضاء، خصوصًا أن الحظ قد حالفها بقبولها بادئ الأمر خلال المفاضلة التي تسبق التسجيل لدى معهد القضاء العالي، من بين مئات المتقدمين للمنافسة على المقاعد المحدودة جدًا كل عام.

بالنسبة لها “كانت مرحلة المقابلة الشخصية خلال فترة المنافسة من أصعب المراحل، في طريق الالتحاق بالمعهد، هي مرحلة، وربما هي تعد أصعب مرحلة بالنسبة لأي فتاة تريد الالتحاق بدراسة القضاء، وكثيرًا ما قد يكون لدى أعضاء اللجنة رواسب من الانطباعات السائدة عن عجز المرأة عن تحمل مسؤولية الفصل في القضايا والتمتع بالشخصية الصارمة للقاضي في الحسم بين المتخاصمين، وهذا بالطبع يفضي استبعاد كثيرات خلال التقديم”، تقول أشواق.

 

ازدواجية المعايير

إبان تأسيسه، كان معهد القضاء العالي موصدًا أمام المرأة، وحدهم الرجال من يحق لهم الالتحاق به، والقبول يتم بشكل مزاجي، إذ لا يوجد نص قانوني يحرم المرأة هذا الحق، استمر الحال كذلك حتى العام 2006، حين سُمح للمرأة بالالتحاق بمعهد القضاء العالي للمرة الأولى على الاطلاق، وفقًا لروضة العريقي، رئيس منتدى قاضيات اليمن.

تضيف: “أنا كنت ضمن تلك الدفعة التي كانت جزء منها، كان عدد الإناث اللاتي تخرجن حينها قليل جدًا، لكنها شكلت بادرة جيدة فتحت الباب أمام المرأة للمشاركة في هذه المهنة”.

إلى عهدٍ قريب، كانت ازدواجية المعايير في قبول المتقدمين لدراسة القضاء في اليمن، التي تتم وفق اعتبارات جندرية، أحد أهم الأسباب التي أزاحت المرأة عن المجال القضائي، مراعاة لمقتضيات العرف السائد في المجتمع اليمني الذي يغلب عليه الصبغة الذكورية النافرة من التصالح مع فكرة أن يكون للمرة سطوة قانونية يُحتكم إليها الرجال فيما شَجَر بينهم، وهو ما لم يكن مألوفًا من قبل في اليمن حتى آخر العقد الأول من القرن الحالي.

المحامي محمد المقري، يعزو أسباب المشاركة المحدودة للمرأة في مجال تولي القضاء، إلى وجود انطباعات غير واقعية تشكك في قدرة المرأة في إدارة المحاكمات، رغم أن الدستور والقانون اليمني يتيحان للمرأة هذا الحق المشروع أسوة بالرجل، إلا أن الاعتقاد المتجذر لدى قطاع كبير من المجتمع ما يزال يعتقد بعجز المرأة عن التحلي بالاستقلال والصرامة، بعكس الواقع الذي يثبت أنها أكثر استقلالية ونزاهة والتزامًا.

يشير المقري، إلى وجود اعتقادات خاطئة يتباها المجتمع، ساهمت في اقصاء المرأة من تولي القضاء الجنائي، بزعم أن المرأة تخضع في العادة لسطوة المشاعر، وبحسب المقرمي فإن “هذا الاعتقاد غير صحيح، كون القضاة _رجالاً كانوا أم نساءً_ لا يحكمون بما تمليه مشاعرهم، إنما بما يتوفر لديهم من براهين الثبوت في ملف القضية، إضافة إلى ما يدور في جلسات المحاكمة، وبالتالي يبنى الحكم وفقًا للنص القانوني إزاء القضية محل التنازع، ولا دخل للعاطفة في ذلك”.

 

من جانبه، يؤكد القاضي مازن الشيباني، أن المشكلة الجوهرية التي تقلل من حظ المرأة في مجال القضاء، يعود بدرجة أساسية إلى المعلومات المضللة والمفاهيم الاجتماعية غير الواعية بهذا الشأن، وغير المتوائمة مع روح القانون اليمني الذي يعطيها هذا الحق، حيث يذكر الدستور اليمني في الجزء المتعلق بالسلطة القضائية في المواد 150-151-153 أعضاء السلطة القضائية بشكل عام ومجمل دون أي تمييز جندري يستثني المرأة أو يقدم الرجل.

المادة 150& 151 من الدستور اليمني المتعلق بالسلطة القضائية

المادة 153 من الدستور اليمني المتعلق بالسلطة القضائية

تضاهي الرجال وقد تزيد

تدريجيًا بدأت المحاذير الاجتماعية تجاه ممارسة المرأة للقضاء، تتراجع عما كانت سابقًا بشكلٍ ملحوظ، بعد أن لمعت أسماء قاضيات يمنيات على الساحة القانونية في اليمن، وأثبتن قدرتهن الفائقة في مجال القضاء، بصورةٍ تضاهي قدرة الرجال أو تَفُوْقُها أحيانًا.

تلفت المحامية أحلام العريقي، إلى أنه في أحيان كثيرة، تكون القضاة النساء أكثر التزامًا وجدارةً من نظرائهن الرجال، بل إن كثير ممن كانت القاضيات تنظر في قضاياهم، يؤكدون أنه لا يحدث أن تتأخر إحداهن عن الجلسات، دائمًا تجدهن في الوقت المحدد، بعكس الشائع لدى القضاة الرجال، إضافة إلى نزاهتهن في التعامل وعدم قبول الرشاوى، وعدم المماطلة في البت في القضايا دون تحيز، وتلك ميزة إضافية تُحسب للمرأة القاضية في اليمن”.

فيما يتعلق بكفاءة المرأة القاضية في تسيير المرافعات والبت في القضايا، يؤكد الشيباني أنه لا يوجد أي تحفظات إزاء هذه الجزئية، ويذهب إلى التدليل على براعة المرأة في المضمار بالإشارة إلى سيرة نجاح القاضية أفراح بادويلان، التي تولت مناصب قضائية متعددة آخرها رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، الأمر الذي جعلها في طليعة قاضيات اليمن خلال العقد الأخير.

نجاح بادويلان وإنجازاتها، تعد _وفقًا للشيباني_ تأكيدًا أن المرأة القاضية، قادرة على تأدية واجبها على نحو قد يتفوق أحيانًا على نظرائها الرجال، ولعل هذا ساهم في امتصاص جزء من الانطباعات السلبية بشأن ممارسة المرأة للقضاء، وأعطى جرعة أمل في تجاوز المفاهيم المغلوطة التي طالما وقفت في طريق المرأة في اختراق هذا المجال.

ويرى الشبياني أن جزءًا من مهمة تحديث منظومة الأفكار الخاطئة لدى المجتمع في هذا الصدد، تقع على قادة الرأي من الإعلاميين والمؤثرين، في تهذيب الوعي العام وحمله على الاسهام في الدفع بالمرأة إلى مشاركة أوسع في المجال القانوني في اليمن.

 

تم نشر هذا التقرير بالشراكة مع منظمة سام للحقوق والحريات