يا رشيق لم نعد نملك أحلامًا تقاس… نريدُ شمسَكَ!

أين الشمس التي طلبتها يا رشيق؟ هل حصلت عليها؟ نحن اليوم بأمسّ الحاجة إليها. نغرق في الظلام والأزمات ونتخبّط في قعر الإفلاس والفساد والفقر والعوز والحرمان والفقدان والحب والفراق والشوق لمن نحبّ… يا رشيق لم نعد نملك أحلامًا تقاس… نريدُ شمسَكَ!
كثيرة كانت أحلامنا. كبيرة أو صغيرة… لا يهمّ. لم نتمكّن من تحقيقها. تقول في روايتك إن الأحلام الصغيرة من السهل تحقيقها لكن عمرها قصير و”زمن الخيبات آتٍ لا محالة”. نحن لا نعرف إذا كان من السهل تحقيق أحلامنا في هذا العالم العربي عمومًا ولبنان خصوصًا. لأننا نجهل مقاسها. لأننا لم نعد نملك أحلامًا تقاس. لأننا لا نعرف ما هي الأحلام. هل هي العثور على كيس حليب في المتجر؟ أم الحصول على 2 كيلو رز بسعر مدعوم؟ أم الوصول الى “غالون الزيت” قبل جارتنا سُعاد؟ أجبني يا رشيق! ما هي الأحلام؟
أهي عملة خضراء؟ أهي فتاة شقراء؟ أهي ضوضاء؟ أجبني يا رشيق. قل لي أين وجدت شمسك! تقول: “مهما كان قلبك مفعمًا بالأسى وجراحك طرية وعيناك أوشكتا على البكاء، ابتسم… فالجرح جرحك أنت”. أقول “الأسى نبْضُ قلبنا والجراح ملامح وجهنا والدمع جفّ كما حبرنا والابتسامة دُفنت حيّة”. الأحذية في القصور وقدمينا حافيتين في الطريق تسير على طريق الجلجلة. هات “حذاءً إيطاليًا” من روايتك ننتعله ونمشي كي يبدأ رحلة جديدة. فلا الأحذية السورية ولا الأحذية السعودية ولا الأحذية الإيرانية ولا الأحذية الأميركية ولا الأحذية الروسية ولا الأحذية الفرنسية تملأ فراغ بطوننا وتفرج انكماش قلبنا وتدفئ برد قدمينا. “هل تتّصف الأحذية بصفات الأزمنة” والحقبات؟ أجبني يا رشيق! هل تبدّل حالنا يشبه تبدّل حال الحذاء؟ “من قدر حالمٍ الى قدر ظالمٍ الى قدر خادمٍ الى قدمي فقيرٍ مجنون” فقد ابنته وأمّه وأخته وجدّته وأباه؟ أيتام نحن في هذا العالم من دون شمسك يا رشيق! يا ليتنا نملك دموعًا لتبلّل وجنتينا فنشعر “بدغدغة فيهما” ونبتسم… يا رشيق… نريدُ شمسَكَ!
حدّثنا عن النضال يا رشيق! تقول إنه مفتاح الحق. ما بدأناه في 17 تشرين هو ما بدأته شعوب أخرى في المنطقة. حملنا “قطفة الزيتون” ومشينا. مكالمتنا لم يرد عليها. لكننا حاولنا وسنحاول. في فلسطين رائحة الليمون تبعث الحياة وتزيد من روح المقاومة عند الشعب. أمّا في لبنان فـ”الليمون” “يَبْعَص الحياة والمقاومة تقطع قالب الحلوى معه. “ما ذنبي إذا جاء ربيع عمري في خريف بلادي؟” آه! أجب يا رشيق! “لم كل هذا الصّمت؟”
قمع الحريات. اعتداءات على المدنيين. اعتقالات بالجملة. تلفيق اتهامات بالمفرّق. تركيب ملفات. نهب الأموال وتهريبها. “كلبة تعوي ، عويل شهوة، ساقان باردتان، وغشاء بكارة طار، وعار (…) وانفجار” كبير دمّر بيروت الحبيبة والتحقيق غير شفّاف. “فستان أبيض… فرحة لم تكتمل… رسالة لم تصل”.
أحبّك! قد تكون المرة الأخيرة التي أقولها فيها قبل أن تبدأ قذائف الهاون بالسقوط فوق رؤوسنا. قبل أن “يتطاير الجوال” ومعه الحاسوب و”تتناثر الأحرف وينفصل الباء عن نقطته وتطير همزة الكاف بعيدًا كنجمة يتيمة”. هكذا صارت أحاديثنا. حين نخرج من المنزل… قد لا نعود.
يا رشيق، كم تمنيّت لو أزهر ربيع حبي قبل أن ينتهي خريف عمري. أردتُ شمسًا! فأعطيتني روايتك. كم هي دافئة وعميقة. فيها الحب والحرب والشوق والفراق والحزن والتمسك بالوطن وأرضه. كم نحتاج إلى شمسك وخيوطها المحبوكة بأدبية ما بعدها أدبية وإبداع ما بعده إبداع. مقارباتك للحرب والحياة والموت والانتماء والفقدان واعية وناضجة وأسلوبك مركّب شيّق. تنقل الأوجاع والذكريات بإحساس وتمرّس وتميّز. يا رشيق… نريدُ شمسَكَ! لعلّ روايتك تكون شمس الانقلابات الأدبية والثقافية في زمن التناقضات الكبيرة.

****
” أريد شمساً ” مجموعة قصصية صدرت عن اتحاد الكتاب العرب في 12 أيلول 2020، للروائي رشيق عز الدين سليمان الذي فاز بالمركز الأول في جائزة حنا مينه للرواية العام الماضي. روايته الأولى “ضفاف الخطيئة” صدرت قبل أربعة أعوام وتحدثت عما يسميه الروائي “إرهابًا اجتماعيًا كان يمارس في بعض مجتمعاتنا بحق المرأة المستضعفة والذي أدى في الرواية إلى ولادة طفلة بوجه مشوه وهو مسار طبيعي لكل إرهاب يسعى الى تشويه وتدمير كل ما هو جميل”.