وباء المعلومات المضللة في سوريا: انتشار واسع وأثر محدود

حظي انتشار فيروس “كوفيد 19” منذ أواخر 2019 بتغطية إعلامية كبيرة في جميع دول العالم، ورافق هذا الزخم الإعلامي وباءً آخر، عرف باسم “الوباء المعلوماتي”، وهو انتشار أخبار كثيرة لم يتم التأكد من صحتها، بعضها دقيق وبعضها مضلل، دفعت كثيراً من الأشخاص لتغيير أفكارهم وطريقة تعاملهم مع الفيروس.
لقد صنفت “منظمة الصحة العالمية” الوباء كأول جائحة في التاريخ تحرك ماكينات الإعلام، ومعها وسائل التواصل الاجتماعي بهذا النطاق الواسع، في حين أدت المعلومات المضللة إلى وباءٍ من المعتقدات الزائفة والمقترنة بشيوع مفاهيم مغلوطة.
والشائعة هنا، لم تعد هي الشكل التقليدي للمعلومة المضللة، إنما تنوّعت أساليب التزييف والتضليل في بيئة المعلومات، كالمحتوى الملفق وهو محتوى غير صحيح يهدف للخداع، والمحتوى المزوّر الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية، والمحتوى المضلل الذي يستخدم المعلومات بهدف الاتهام وتوجيه الرأي العام، إلى جانب الربط المزيّف في بعض الأخبار كوضع صور أو عناوين ليس لها صلة بالمحتوى.
في المشهد السوري كان للتغطية الإعلامية وضعاً خاصاً يحاكي وضع البلاد الغارقة في الحروب والنزاعات، وبالرغم من السقطات الكثيرة إلا أنها لم تؤثر على الرأي العام بشكل كبير، لعدة أسباب منها، فقدان ثقة المتابعين بمعظم وسائل الإعلام، ومعرفتهم مسبقاً أن هذه الوسائل تروّج للجهات التي تتبع لها أو تبثّ من مناطق سيطرتها.
الإعلام في مناطق سيطرة الحكومة السورية
لقد كان للإعلام الحكومي والمقرب منه هفوات كثيرة، فقد نشرت جريدة الوطن المحلية المقربة من الحكومة خبراً بتاريخ 25 أغسطس / آب 2020 جاء فيه “تستعد الشركة الطبية العربية “تاميكو”، لطرح دواء “ازيثرومايسين” يوم الغد في الأسواق، وهو دواء معتمد في البرتوكول العلاجي لفيروس كوفيد 19 والوقاية منه، وعقب ذلك تناقلت الخبر عشرات الوكالات والمواقع والقنوات تحت عناوين مختلفة، لكن منظمة أطباء بلا حدود عرّفت الدواء بأنه مضاد جرثومي يحذر استخدامه من دون وصفة طبية وله تأثيرات جانبية عدة.
وفي تاريخ 7 نيسان 2020 نشرت وكالة الحكومة الرسمية سانا تحت عنوان “في إطار إجراءات التصدي لـ كورونا… تعقيم الآليات والمركبات على مداخل مدينة حلب” تشير فيه إلى تجهيز محافظة حلب ثمانية أحواض على مداخل المدينة لتعقيم السيارات القادمة من خارجها بهدف منعها من نقل الوباء للمدينة.
ومن خلال البحث لم تذكر أي من تلك التقارير تعليمات الصحة العالمية أو نصائحها للوقاية من الوباء أو حتى التأكد من أن هذا الإجراء فعلاً يحد من انتشاره.
الإعلام المحسوب على المعارضة
تزايدت الشائعات مع ازدياد عدد الإصابات، وانتشرت أكثر من الفيروس نفسه، وفي الشمال السوري يستقي أغلبية السكان معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي في ظل قلة المصادر الرسمية، وعدم اكتراثهم لها.
في 15 تموز 2020 بث “تلفزيون سوريا” خبراً عاجلاً، ادعى فيه تسجيل خمس إصابات جديدة في الشمال السوري، ونسبه إلى الحكومة المؤقتة، إلا أن وزير الصحة نفى ذلك وقال “إن عدد الحالات المثبتة لذلك اليوم ثلاث حالات”.
وبالعودة إلى صفحة وحدة تنسيق الدعم على فيسبوك، نجد أن مختبر الترصد الوبائي التابع للوحدة وثّق ثلاث إصابات لا خمسة، ليرتفع العدد إلى 13 إصابة بدلاً من 15 كما قال “تلفزيون سوريا”.
وفي 10 من شهر آذار 2021 نشر موقع “سوريا عاجل” فيديو يحوي صوراً يدّعي نقل رئيس النظام السوري إلى إيران للعلاج، وذلك بعد إصابته بالفايروس وتدهور صحته، ونسب مصدر الخبر إلى وكالة “رويترز”.
تبيّن بعد البحث في موقع الوكالة أن آخر خبر نشرته عن بشار الأسد هو فقط إصابته وزوجته في الثامن من آذار/ مارس، ولم تنقل الوكالة أي خبر يتعلق بسفره إلى طهران.
إلى جانب ذلك قد تأخذ المعلومات “صيغة الاتهام”، كما أفادت قناة أورينت عبر برنامج تفاصيل التلفزيوني أن إسرائيل زودت النظام بلقاح كورونا الروسي في إطار صفقة تبادل الأسرى، في حين وكالة وكالة سانا إن هذه الادعاءات غير صحيحة.
الإعلام في مناطق الإدارة الذاتية (الكردية)
وبالانتقال إلى نوع آخر من الإعلام غير الرسمي، وتحديداً الإعلام التابع للإدارة الذاتية (الكردية) والعامل في مناطق شمال شرقي سورية نجده كان حذراً في التعامل مع الأخبار المتعلقة بوباء “كوفيد-19” وكان هناك شبه إجماع من جميع الوسائل التي تغطي المنطقة بالرواية التي تصدر عن هيئة الصحة في الإدارة التي يرأسها الطبيب جوان مصطفى، لكنّ هذه الطبيب ذاته أعلن في مؤتمر صحافي على وسيلة إعلام رسمية للإدارة بتاريخ 20 مارس / آذار 2020 عن التوصل لـ”كيت” (أداة لكشف الإصابة بكوفيد) خلال مدة 30 ثانية.
وأشار “مصطفى” إلى أن تصنيع هذا الاختبار جاء بالتعاون مع معهد PEAS السويدي وأنه تم التأكد من دقة وفاعلية هذا الكيت عبر استخدام نماذج منه في ثلاث مستشفيات بمقاطعة “ووهان” الصينية، حيث أثبت الكيت نجاحاً في اكتشاف الوباء بنسبة 80 إلى 85 بالمئة.
وفي الوقت الذي صدر فيه الإعلان كان أقل وقت يستغرقه ظهور نتيجة الاختبار 24 ساعة، كما أن الاختبار لم يصل المنطقة حتى الآن، وبالعودة إلى موقع المعهد لم يذكر أي رابط بين الاختبار وكوفيد، كما أن النص المرفق بـ”dExact-R” لم يحدّد الوقت الذي يستغرق لظهور النتيجة بـ30 ثانية، وأكّد أنه لـ”فحص المرضى الذين يعانون من علامات الحمى والسعال وبالتالي استبعاد عدوى الجهاز التنفسي السفلي / الالتهاب الرئوي”.
وفي تقرير لها قالت صحيفة “جسر” المحلية إنها تواصلت مع فاريبا نابيري رئيسة قسم البحوث في المعهد، وأشارت إلى أن الاختبار أنتج عام 2015، ونفت قدرته على تمييز اﻹصابة بكوفيد، موضحة أنه مصمم لكشف وجود اﻷذية الرئوية من عدمها بشكل عام، دون تحديد أسبابها جرثومية كانت أم فيروسية.
وفي التاسع من أبريل / نيسان اتهم مصطفى تركيا في حديث مع وكالة “فرات للأنباء” بنقل مصابين بكوفيد من أراضيها إلى مستشفى “روج” في مدينة “سري كانيه” (رأس العين) بريف الحسكة، بهدف نشر العدوى في سوريا، ولم يقدّم دليلاً على ذلك، كما أن تركيا لم تعلّق على الخبر أو تنفيه.
ويصب هذا الاتهام في سياق الحرب الإعلامية بين تركيا والإدارة الذاتية لعدة اعتبارات منها، أنه لم يثبت أن تركيا قد نقلت مرضى من أراضيها إلى سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن وجود مقاتلين وموظفين تابعين لها في رأس العين يستبعد قيامها بهذا الفعل أساساً.
المواقع الأجنبية
في يونيو/2020 نشر موقع روسيا اليوم، خبراً لصحيفة “أميريكان هيرالد تبربيون” عن ذكاء النظام السوري في التعامل مع الجائحة، باتخاذ إجراءات صارمة، للحد من انتشاره، وتدريب الطواقم الطبية حتى قبل ظهور أي حالات.
وتحدّثت التقارير الإعلامية عن أوضاع اقتصادية مأساوية تعيشها البلاد مع وجود الجائحة، ولم يتم الإشارة في موقع “روسيا اليوم” على أن الصحيفة إلكترونية فقط، وناطقة بالإنجليزية ومقرها العاصمة الفنزويلية “كاراكاس، وتم حظرها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI) في نوفمبر العام الماضي.
نقل موقع قناة العالم في شهر أبريل/ 2020 خبراً مفاده أن “لقاح تلقاه سوريون بصغرهم سيحميهم من كورونا” للدلالة على لقاح السل، مع شرح للأستاذ في جامعة هارفرد( أسامة المصري) بإمكانية نجاح لقاح السل.
وأضاف الخبر أن أستراليا تقوم بحملة تلقيح بطعم السل لأربعة آلاف شخص من كبار السن، وكوادر طبية، ونوه ” المصري” إلى أن سرعة شفاء الحالات المصابة بمصر، أقصر بكثير من الدول الأخرى التي لم تطعم بلقاح السل، ولكنه لم يجزم إيجابية افتراضاته.
بينما ذكر موقع BBC بتحقيقه أن هذه الادعاءات ترافقت مع رسائل باللغة العربية عبر تطبيق “واتساب”، وبمعلومات مفادها “أن لقاح السل لديه حماية من فيروس كورونا بنسبة 75 في المئة”.
وتحدثت قناة العالم في أبريل 2020، عن مبتكر سوري يكتشف علاجاً لكورونا”، والذي أعلن عبر موقع (سيريا ستيبس) أنه توصل لعلاج يستخلصه من “قشور الحمضيات”.
إن رصد أخبار الجائحة خلّف سيلاً من المعلومات التي تمّ تداولها بشكل واضح في المجتمع، دون تحري صدقها أحياناً، الأمر الذي أوقع وسائل الإعلام في فخ نشر أخبار كاذبة أو مضللة، لتحقيق سبق صحافي على حساب الدقة والمصداقية.
لكن من خلال التتبع لهذه المواضيع لم يلحظ أنها أحدثت فارقاً على الساحة السورية، أو أنها أثرت بشكل كبير على الحاضنة الشعبية لوسائل الإعلام في مناطق السيطرة المختلفة، بل لوحظ أن الكثير من الحسابات الشخصية كانت تتصدّى لتلك الأخبار المضللة أو الإشاعات التي كانت تصدرها وسائل الإعلام تلك.