Supported by NAWA IF

كورونا يقضي على ما تبقى من آمال أطفال مخيمات إدلب في التعليم

بقلم: فرحات أحمد | عمر السوادي | عبيده |

عجز الطفل ضياء (10 سنوات) النازح إلى أحد مخيمات إدلب، شمال غربي سوريا، عن حل عملية حسابية بسيطة. كادت عينا والده تدمعان وهو يقول “كان ضياء من المتفوقين قبل أن نضطر للنزوح من مدينة معرة النعمان مطلع العام الجاري بسبب العمليات العسكرية، أمّا الآن فقد تراجع مستواه كثيراً، ولم يدخل المدرسة إلا لأيام قليلة بسبب إغلاق مدارس إدلب بعد تفشي فيروس “كورونا” (كوفيد-19) في المنطقة.”

يشير والد ضياء إلى أن ابنه الذي من المفترض أن يكون في الصف الرابع لم يعد يدرس الرياضيات واللغة الإنكليزية، كونهما تحتاجان متابعة من مدرس، والعائلة لا تمتلك أي جهاز إلكتروني يمكّنه من متابعة الدروس مع أقرانه الذين تحوّلوا للدراسة عن بعد، بعد أن أغلقت المدارس في إدلب بسبب انتشار الفيروس الجديد في المخيمات.

يعتمد ضياء الذي يعيش مع عائلته في أحد المخيمات المحيطة ببلدة دير حسان شمالي إدلب، في متابعة دروس القراءة والعلوم على ما تعلمّه إياه والدته بعد فراغها من تلبية حاجات إخوته وما يسمعه من أصدقائه وجيرانه الذين تملك عائلاتهم أجهزة إلكترونية تخوّلهم من متابعة الدروس مع المعلمين عبر شبكة الإنترنت.

ضياء واحد من آلاف الطلاب الذين يعيشون في مخيمات إدلب والذين فقدوا فرص التعليم بسبب ارتفاع نسبة الإصابات بفيروس كورونا فيها إلى أكثر من 1800 حالة، ما يعادل أكثر من 10 بالمئة من إجمالي المصابين في الشمال السوري (إدلب وحلب)، بحسب إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا“، وهي منطقة من المحتمل أن تتحوّل إلى بؤرة كبيرة للوباء، بسبب الكثافة السكانية المرتفعة جداً والافتقار إلى النظافة، والنقص الكبير في المراكز الصحية.

وفي آخر إحصائية لمنسقي الاستجابة في أغسطس/آب الفائت بلغ عدد المخيمات الكلي في إدلب وحدها 1293 مخيماً يقطنها مليون و43 ألفاً و689 شخصاً، تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية – التركية، ومعظم قاطنيها من محافظات وسط وجنوب البلاد التي شهدت ارتفاعاً في حدة الصراع، وعمليات تهجير أشرفت عليها الدولة الروسية.

كورونا-مخيمات.png

التعليم عن بعد خير من البعد عن التعليم

في آذار/مارس الفائت أعلنت مديرية التربية في إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة (معارضة) وقف كافة أشكال التعليم وجهاً لوجه، والانتقال إلى التعليم عن بعد بسبب انتشار الفيروس في المنطقة، وحينها بدأت المصاعب تتزايد على الإداريين والمدرسين بحسب خالد الخالد المشرف على مشروع التعليم عن بعد في وزارة التربية، الذي أكّد أن الخطط المحدثة لم تصمد طويلاً.

ويشير الخالد إلى أن من أبرز المصاعب التي واجهت العملية التعليمية، عدم وجود منصة للتواصل مع الطلاب، وعدم جاهزية الكوادر التعليمية، إضافة إلى عدم توفّر شبكة الإنترنت في المنطقة بشكل جيد وضعفها في أحسن الأحوال، يضاف إلى ذلك السباق مع الزمن الذي فرضه قرب الامتحانات النهائية.

وبحسب الخالد فإن الوزارة تغلّبت على معظم تلك المصاعب وأنشأت منصة وحساباً على موقع “يوتيوب” وشكّلت فريقاً أطلقت عليه اسم “الجوال في خدمة التعليم” مكوناً من 30 شخصاً، بينهم مدرسون وتقنيون بهدف استئناف العملية التعليمية بأسرع ما يمكن دون حدوث أخطاء.

أطفال يتلقون دروساً في مسجد بمدينة سرمدا تصوير جابر عويد (خاصة).JPG
أطفال يتلقون دروساً في مسجد بمدينة سرمدا | تصوير جابر عويد. الحقوق محفوظة

ويؤكد المشرف أن عدد المشتركين في المنصة بلغ 90 بالمئة من إجمالي عدد الطلاب، وهناك نحو 200 ألف طالب من أصل 316466 في عموم إدلب يدخلونها بشكل متكرر، ويحضرون الدروس المسجلة، التي بلغ عددها أكثر من 550 مقطعاً من مئات الساعات وهي مسجلة من المنهاج السوري الذي تشرف عليه وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.

أكثر من ثلث طلاب المخيمات متسربون

لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الطلاب المتسرّبين من مدارس مخيمات إدلب قبل انتشار فيروس كورونا، لكن العدد تضاعف بحسب طلال فرعون معاون مشرف مجمع مدارس المخيمات، وتجاوز 25 ألفاً من أصل 75341 وهم الطلاب المسجّلون، إذ يرجّح المسؤول أن العدد يفوق ذلك لكنّ حركات النزوح المتكررة كانت تمنع الطلاب من الاستقرار والالتحاق بالمدارس.

وأكّد فرعون أن هذه الإحصائية تعود إلى بداية العام الدراسي الجاري، أما الآن فالأعداد تضاعفت، بحسب قوله، وأشار إلى أن هناك أسباب كثيرة، منها قلة عدد المدارس في المخيمات، فالمخيمات التي يبلغ عددها نحو 1500 فيها 144 مدرسة فقط، وقبل الجائحة كان هناك حاجة ملحة لبناء 40 مدرسة على الأقل، إذ هناك آلاف من أبناء سكان المخيّمات العشوائية كانوا محرومين من التعليم بسبب عدم وجود مدارس.

وقالت منظمة “أنقذوا الأطفال” إن اثنين من بين ثلاثة أطفال في الشمال السوري لم يعد باستطاعتهم الذهاب إلى المدرسة وإكمال تعليمهم، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد”، إضافة إلى الفقر الشديد، وغياب الدعم عن قطاع التعليم.

وأكّدت مديرة استجابة المنظمة، سونيا كوش، خلال التقرير أن جائحة كورونا أدّت إلى تفاقم التحديات الحالية التي منعت الأطفال من التعلم، وعبّرت عن خشيتها ألا يعود الأطفال الذين تسربوا من المدرسة هذا العام، وأشارت إلى أن التسرب من المدرسة يعدّ ضربة قاتلة للجهود الهائلة التي التزم بها الأطفال وأسرهم في التعليم بالرغم من عقبات استمرت عشر سنوات.

أسباب تسرّب الطلاب في ظل كورونا

أحمد (12 عاماً) وغزل (10 أعوام) أخوان تقيم عائلتهما النازحة من ريف معرة النعمان الشرقي في مخيم “سنجار كهربا” قرب مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا. أحمد في الصف السادس وغزل في الصف الرابع يتبادلان هاتف والدتهما كل في وقت درسه، وفي كثير من الأحيان يتغيّب أحدهما عن الدرس بسبب استخدام الهاتف من قبل الآخر. كما يشكوان من عدم توفّر الجو المناسب للدراسة بسبب الضجيج وازدحام السكان، والبرد القارس في الخيام.

أما ليان (11 عاماً) المقيمة في مخيم عشوائي قرب بلدة صلوة شمالي إدلب، فتعمل والدتها في التجارة الإلكترونية. تقول الوالدة، “أنا بين نارين، بين إعطاء ليان الهاتف لمتابعة دروسها وبين متابعة عملي، فزوجي توفي أثناء الحرب وأنا أعيل ليان وأخيها الصغير، ولو توقفت عن العمل فلن تجد طفلتي وشقيقها ما يأكلان ولا ما يلبسان.”

تعليم.png

تشكو الوالدة من غلاء ثمن بطاقات الإنترنت (5 جيغا بايت = 2.5 دولار) وضعف الشبكة التي تخدّم المخيم، “في كثير من الأحيان تضيع الباقة بسبب رداءة الخدمة وتقطّعها، وهذا يحرم ليان من متابعة الدروس المباشرة وطرح الأسئلة على المدرسين فتضطّر لاحقاً لمتابعتها مسجلة، وهذا يحتّم عليّ مساعدتها في الفهم وحل الواجبات.”

يقول مدير مخيم سنجار كهربا خالد أحمد، “اقترحنا في بداية الجائحة على المنظمات الإنسانية تقديم أجهزة لوحية وباقات إنترنت للطلاب، لكنّ اقتراحاتنا لم تلقَ أية استجابة، إلا أن إحدى المنظمات قدّمت باقات إنترنت محدودة لعدد من الطلاب لمرة واحدة فقط.”

يضيف خالد الخالد المشرف على التعليم عن بعد انه “بسبب عدم تحقيق نتائج مرجوة افتتحت المدارس العامة أبوابها في إدلب أمام الصفوف الدراسية كافة في 26 من سبتمبر/أيلول الماضي، مع مراعاة الإجراءات الوقائية، وتمّ تقسيم الطلبة إلى دفعتين، كلّ منهما تحصل على ثلاث حصص يومياً، لكنّ الإقبال كان ضعيفاً وبخاصة بعد تسجيل إصابات في صفوف الكوادر التعليمية.”

حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الفائت سجّلت شبكة الإنذار المبكّر والاستجابة للأوبئة التابعة لوحدة تنسيق الدعم (معارضة) 292 إصابة بالفيروس في صفوف المدرسين والطلاب في محافظة إدلب وحدها، وكانت معظم الإصابات في أكتوبر، ما اضطّر مديرية التربية في المحافظة لإعلان عطلة لمدة أسبوع، وفي 16 ديسمبر/كانون الأول أعلنت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة وقف العملية التعليمية في الشمال السوري بشكل كامل، بدءاً من 19 من الشهر ذاته وحتى 15 يناير/كانون الثاني المقبل، وذلك بحسب ما وصفته بالانتشار الكبير للفيروس في المنطقة.

التعليم لم يعد أولوية

خالد نازح من ريف حماة الجنوبي وهو أب لخمسة أطفال، يقيم مع عائلته في أحد مخيمات بلدة أطمة قرب الحدود التركية، يقول “قبل كورونا كان ثلاثة من أولادي يذهبون للمدرسة وأنا أذهب للعمل وتبقى زوجتي مع الطفلين الآخرين في المنزل، أما الآن فالتعليم يحتاج مصروفاً لا أقدر على تأمينه، فإما أن أؤمن للأطفال ثمن الخبز واللباس أو ثمن بطاقات الإنترنت.”

سيدة تحيك كمامات لأطفالها في مخيم _سنجار كهربا_ قرب سرمدا تصوير جابر عويد (خاصة)(1).jpg
سيدة تحيك كمامات لأطفالها في مخيم سنجار كهربا قرب سرمدا 

وسيم (ثماني سنوات) يسكن مع عائلته في مخيم أهل مورك قرب أطمة، ينتظر والده حتى يعود من العمل مساءً كي يحضر دروسه، حاول والداه إقناعه بالذهاب إلى المدرسة القريبة من منزله، لكنه كان يبكي في كل مرة ويرفض الذهاب بسبب الخوف الذي تلبّسه بعد أن توفي جده بسبب إصابته بكورونا.

تقول الرئيسة التنفيذيّة لمنظمة “أنقذوا الأطفال” إنغر آشينغ، “نحن نعرف أن الأطفال الأكثر فقراً وتهميشاً عانوا الخسارة الأكبر، بسبب عدم توافر فرصة التعليم عن بُعد لديهم أو أيّ نوع من التعليم على مدى نصف عام دراسي، ولكن في أي حال من الأحوال، فإن ذلك ينطبق على الأطفال في شتّى أنحاء العالم، إلّا أنّه لا ينطبق على أطفال سوريا خصوصاً، فهؤلاء يعيشون ظروفاً لا تشبه ظروف الأطفال في أي بلدٍ آخر، كونهم مُنيوا بخسائر جمّة خلال النزاع.”

مبادرة وحيدة

بحسب إحصائيات مديرية تربية إدلب فإن عدد الطلاب في المحافظة قد تجاوز 315 ألفاً من بينهم طلاب المخيمات، وهذا تعجز مديرية في إدلب عن تخديمه وبخاصة أن معظم رواتب المعلمين تتكفّل بها جهات غير حكومية ومنظمات، لذا انطلقت مبادرة تطوعية تحت اسم “مسارات” وأخذ القائمون عليها على عاتقهم متابعة العملية التعليمية للطلاب السوريين في كل مكان.

يقول ياسر مدللة المؤسس والمنسق العام لمبادرة مسارات، التي انطلقت في ديسمبر / كانون الأول 2019، “أطلقنا المبادرة التي يقوم عليها فريق من المختصين والأكاديمين بهدف إتاحة الفرصة للطلاب من كافة المراحل في متابعة تعليمهم عن بعد، وبخاصة الطلاب النازحين الذين تأثّروا بفيروس كورونا.”

معلم يتحدث إلى طلابه عبر منصة مسارات تصوير جابر عويد (خاصة)(1).jpg
معلم يتحدث إلى طلابه عبر منصة مسارات 

ويشير إلى أن عدد المستفيدين من المبادرة بلغ 1798 طالباً، منهم نازحون وآخرون يقيمون خارج سوريا، وأن أهداف المبادرة لا تتوقف عند نيل الطالب الثانوية، بل يتابع معه الفريق خيارات المقعد الجامعي، ويساعدونه في استكمال المستلزمات، وكل ذلك بشكل مجاني، بحسب قوله.

توقّف التعليم أخطر من كورونا

نادى كبار مسؤولي القطاع الصحي في المملكة المتحدة بضرورة عودة الأطفال إلى المدارس، وقالوا إن عدم انتظام الطلاب في التعليم أكثر خطراً عليهم من الإصابة بكوفيد-19.

وقال المستشارون في بيان، إن قلة قليلة، إن وجدت، من الأطفال أو المراهقين ستتعرض لضرر طويل الأمد من كوفيد-19 بسبب الذهاب إلى المدرسة، وإن الأدلة أظهرت أن الافتقار إلى التعليم زاد من عدم المساواة وقلل من الفرص وقد يفاقم مشاكل الصحة البدنية والنفسية.

كما حذّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، من عدم تمكن كثير من الأطفال اللاجئين من استئناف دراستهم بسبب إغلاق المدارس أو الرسوم المرتفعة أو عدم الوصول إلى التكنولوجيا للتعلم عن بُعد، وقالت إن “إمكانات ملايين اللاجئين ستتعرض لمزيد من التهديد، ما لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات فورية وجريئة ضد آثار كورونا على تعليم اللاجئين”.

إن الحق في التعليم هو من الحقوق الأساسية التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، وباعتباره أحد أهداف التنمية المستدامة (2015-2030) التي شددت على “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.