كورونا بين الصحة والتعليم.. ترف أم حق

Omar Alsawadi بقلم: عمر السوادي |

“إنّه لأمرٌ مقزّز حقاًّ” يصيح شريكي في السكن بينما كنّا نتابع آخر الأخبار والإحصائيّات عن انتشار فيروس كورونا في القارّة الأوروبيّة، فقبل عدّة أيّام تقريباً وصل عدد الحالات المسجّلة في فرنسا وحدها خلال 24 ساعة أكثر من 16 ألف حالة عدوى بالفيروس المستجد، ارتفاع درامي بأعداد المصابين على مستوى العالم كلّه في ظلّ استعداد الدول أيضاً للموسم الدراسيّ الجديد كما أورد برنامج الأخبار الألماني المعروف بـ”التاغيس شو”.

إن شريكي في السّكن الّذي يتذمّر من عدم التزام الناس بإجراءات التباعد الاجتماعي وقواعد الصحّة العامّة هو نفسه الذي يشكو من حدّة الإجراءات التي تقوم بها الحكومات وأثرها على الصّحة النفسيّة والعقليّة لدى النّاس، إجراءات وصلت إلى إعلان وضع 50 ألف طالب مدرسة تحت العزل الصحي بعد حالات انتشار للفيروس في مدارس الولايات الألمانيّة.

لكنّ التذمّر من شيء ما يجلبنا دائماً إلى المقارنات بين الدول وطرح الأسئلة عن كفاءة عمل حكوماتها في التعامل مع الفيروس، ففي ألمانيا لم يتم فرض حظر التجول أبدا على النّاس حتى في أشد موجات انتشار الفيروس، على عكس إسبانيا وإيطاليا كان باستطاعة البشر في الاتّحاد الألمانيّ الخروج للحدائق والمتنزهات وممارسة الرياضة مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وفي الوقت الذي فرغت فيه شوارع عشرات الدول من النّاس، كانت الحدائق والمتنّزهات هنا مليئة بموظفين توقفت أعمالهم، وطلاّب يتعلمون في منازلهم عن طريق الإنترنت.

وعلى ذكر التعليم فقد نجحت معظم الجامعات والمدارس الألمانيّة بتطبيق التّعليم عن بعد خلال ثلاثة أسابيع كحد أقصى وإجراءات امتحانات وحتى حفلات تخرّج عن بعد مدعومة بحزم من الدّعم الماديّ جعل أحد أقوى اقتصادات العالم يتأثّر بشكل كبير كما أوردت صحيفة دير شبيغل، هذا عدا أخذ القطاع الصحيّ بعين الاعتبار ومئات ملايين اليورو المرصودة لتطوير لقاح ضد المرض. يتذمّر بعض الألمان من ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة ووسائل النّقل، في حين يفرض على النّاس في إسبانيا ارتداء الأقنعة حتى في الشّوارع وعلى الشّواطئ.

وإذا أردنا التعمّق في المقارنات فلنا في الكثير من البلدان العربيّة خير مثال، تلك البلدان التي يتذمّر فيها الأهالي والأطبّاء من ضعف وعدم فعاليّة الإجراءات الحكوميّة. تذمّر ليس بسبب عدم ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، بل بسبب عدم توفرها وغلاء أسعارها بحيث أصبحت في مناطق مثل سوريا، العراق أو اليمن علامة على التّرف أو الاستهزاء.

ففي التعليم مثلا لم تختبر العديد من الدول العربية تقنيات التعليم عن بعد أبدا قبل الجائحة مما يضعها أمام عشرات التحديّات والعراقيل، أما في المجال الصحي فتعيش العديد من الدول تحت ظروف طبيّة صعبة. فالقطاع الصّحي يعاني من ضعف البنية التحتية وقلّة الكوادر ونقص حاد في المعدّات والأدوية.

ظروف صعبة تجعل هذه الدول غير قادرة على استيعاب المرضى الذين هم بحاجة إلى العناية المركّزة، فكيف بإمكان بلد مثل اليمن مثلاً توفير التعليم عن بعد وإيصاله لكل طالب مدرسة أو جامعة في أطراف البلد الممزّق بين أطراف الحرب.

أما في سوريا فأنّ التعليم عن بعد هو ترفٌ بحدّ ذاته كما ذكرت وكالة “يورو نيوز”، ففي الشمال السوريّ يشهد القطاع التعليميّ أزمة نقص لكلّ شيء تقريباً في ظلّ موجات النزوح المستمرة بسبب القصف الروسي وهجمات النّظام السّوري التي جعلت من غرف المدارس هناك مأوى للعائلات الهاربة ومن مدارس المتطوعين ملاذاً للطلاب الذين يبحثون عن حصّة دراسيّة يتعرّفون فيها على أشياءِ في الحياة بعيدة عن الصّراع العسكريّ والموت اليوميّ.

عموماً ليس عدم التزام الناس في أوروبا باجراءات التباعد الاجتماعيّ أو التذّمر منها هو ما يدعو للتّفكير، كما ليس المحزن هو المقارنة بيننا وبينهم، إنّما محاولة النّاس في بلداننا العربيّة على تأكيد حقّهم في العيش والتّعلم رغم كل الظّروف هو الذّي يدعو للحزن والسّعادة في آن واحد.