“الختيار” في عامه الـ100.. يحتاج للتنفّس!
هو العنوان. هو المصير. هو بقعة صغيرة من هذه الأرض الكبيرة المدوّرة. هو الذي وُلد بعد حرب ومجاعة وويلات وحصار. منذ مدّة قصيرة احتفل بعيده الـ 100. إنه بلد “المعجزة”، إنه لبنان. الكلام العاطفي وخصوصًا في هذه الأيام التي يمّر بها بلد الأرز لا ينفع. إنه الوقت لتأمين “التنفّس الاصطناعي” لهذا “الختيار”، الذي عانى وضحّى في سنوات حياته ولا يزال يعاني، ليصل أخيرًا إلى انفجار هزّ كيانه وجعله يشيخ أكثر فأكثر.
إن كل ما مرّ به البلد ويمر به في الأيام الأخيرة والصعبة، جعلت منه رجلًا هرمًا لم يستطع تحمّل المزيد من المآسي والمشاكل والأزمات، حتى وصل الأمر أن يُسمع صوت صراخ بيروت -ابنته المدللّة- إلى أقاصي العالم. كل سنين عمره قضاها في تحمّل هموم ومشاكل أولاده وجيرانه ولكن أحدًا لم يسأل عن صحته وما يحتاجه طيلة أيامه الذي عاشها.
إنه في غيبوبة وحالته حرجة. بأسف أنظر إلى هذا “الختيار” الذي لم يكن لدي أي حرية لكي أختاره بإرادتي، ولكن لم أكن أعلم أنني سأتعلّق به وأجعله المكان الأبدي الذي سأمضي هذه الحياة، أو ما تبقّى منها. هو الذي حضنني بعدما دمرّته الحروب والويلات. لا شك أن لبنان لم يقدّم حتى اليوم ما يطمح له كل شاب وشابة لبنانية من حياة مستقرة وسليمة ولكن هل نتركه؟ هل نتخلى عنه؟
في هذه الأيام وما حملت معها من شؤم وحزن لم يسلم منها أي قلب لبناني، حزم عدد كبير من اللبنانيين أمتعتهم بعدما فقدوا كل بصيص أمل في هذا “الختيار” بسبب عجزه وضعفه وفقدان كل قوتّه. تركوا كل شيء وغادروا. هل هو استسلام، هل لأنهم أصلًا لم يمكن للبنان أي مكان في قلوبهم وحياتهم، هل غادروا ليعيشوا حياة المواطن الطبيعي لفترة ويعودوا؟ هل ذهبوا إلى غير رجعة، هل قرروا تجربة الحياة والعمل في بلد آخر؟ أسئلة كثيرة تراودني وأسأل نفسي في كل ليلة أمضيها مع وجود هذا “الختيار” في العناية الفائقة!
لم أفكّر في الهجرة يومًا، حاولت إقناع نفسي مرارًا هل هذا هو الحل؟ لا جواب. إن قناعاتي ومبادئي هي المتحكمة. لماذا نترك هذا “الختيار” بعد كل التضحيات التي قدموها أولاده دفاعًا عنه. لطالما سمعنا ما يتردد في أفكار أهلنا ببناء لبنان الحلم، لبنان الدولة، لبنان الأمل والعيش الكريم. لا أريد أن أكون مثاليًا في أفكاري وطرحي، إنما موقفي الثابت والأكيد أن لبنان بحاجة إلينا مهما كانت ظروفه وأحواله.
“الختيار” بحاجة للتنفس. نحن أولاده وأهله وكل ما يملك. أنا ملتزم ببقائي إلى جانبه محبة به وبأرضه وبأهله وبناسه. بلدي لا يُلام إنما اللوم على من تولّى العمليات التي احتاجها وقد يحتاجها في كل يوم. لا شك أن “الأطباء” لم يعرفوا الدواء ولم يعرفوا طريقة المعالجة. لا بد لنا من استبدالهم بـ”أطباء” كفوئين!
فلو بلغ هذا “الختيار” عامه الـ100 إلا أنه يستحق الحياة..