
تشريع زراعة الحشيشة في لبنان: أبناء الأرض خارج المعادلة
القانون الجديد لم يقر من أجل أصحاب الأرض، ولو كان كذلك لزارت اللجان العاملة على القانون المزارعين الذين يعملون في هذه الزراعة
15 حزيران/يونيو
في وسط بلدة بوداي في محافظة بعلبك – الهرمل، يعمل السينمائي حمزة شمص، شاب ثلاثيني، على مشروع ثقافي صناعي متكامل إنطلق منذ ثلاث سنوات من بذرة أرضه: القنب او “القنبز” بالعامية، التي رشها لأول مرة أجداده من مئة عام في سهل هذه المحافظة المُبعدة جداً عن كل شيء. كانت زراعة الحشيشة والإتجار بها وحيازتها في لبنان مشروعة ومقوننة في زمن السلطنة العثمانية، وكان التجار يبيعون المحصول بمعرفة السلطات ويسددون ضريبة مباشرة للسلطنة.
قد يتبادر للأذهان أن أبناء بعلبك – الهرمل بعد إقرار قانون ترخيص زراعة القنب للاستخدام الطبي والصناعي، أن الفرح يغمرهم لأن الدولة وأخيراً شرّعت زراعة النبتة التي خرجوا لأجلها عن القانون لعقود. وقد جُرّمت زراعة الحشيشة والمتاجرة بها عام 1931 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي ولا زالت حتى اليوم مجرمة، وقد جاء ترخيص زراعة القنب بعد توصية خطة ماكينزي التي ذكرت في اقتراحاتها أن زراعة الحشيشة يمكنها تأمين إيرادات سنوية تقارب المليار دولار.
الحشيشة التي تزرع في البقاع لم تشرع بعد
يتألف قانون ترخيص زراعة نبتة القنب لأغراض طبية وصناعية الذي أقره البرلمان اللبناني في الحادي والعشرين من شهر نيسان/أبريل من ثمانية وثلاثون مادة، بالإضافة إلى الأسباب الموجبة. تعرف المادة الثانية من الباب الأول للقانون، والذي لم يصبح نافذاً بعد، لأنه لم ينشر في الجريدة الرسمية، أن نبتة القنب هي من النباتات الخاضعة للرقابة ولها خصائص ذات تأثير نفسي، وتشمل البراعم المخصبة أو غير المخصبة والبذور من نبات القنب للإستخدام الطبي والصناعي، التي تحتوي على مادة تتراهيدرو كانبول THC بنسبة تحددها الهيئة الناظمة لزراعة نبتة القنب. وهذه النسبة كانت 1% قبل أن تقوم اللجنة الفرعية لزراعة القنب بتعديل المادة الثانية من الصفحة الأولى لصالح الهيئة الناظمة. وهكذا تكون النبتة المرخصة داخل القانون الجديد مختلفة عن النبتة التي يزرعها أهالي بعلبك.
من يزرع الحشيشة في مناطق البقاع، رش القمبز منذ شهر وأكثر، واليوم كبُرت شتول الحشيشة التي تصل نسبة المواد المخدرة فيها إلى حوالي 18%، أي بنسبة أعلى بكثير من نسبة النبتة المرخصة. يشرح لنا محمد شريف، وهو مزارع من بلدة اليمونة في محافظة بعلبك الهرمل عن الفرق بين النبتة الموجودة في القانون، وبين الحشيشة المزروعة في اليمونة، وعن سبب رفض أهالي اليمونة لهذا القانون، يقول: “صحيح أن النبتة الموجودة في القانون تشبه نبتة الحشيشة التي نزرعها، لكن هناك فرق بين النوعين. القنب الهندي هو ما شرعته الدولة، وهو شتلة “الذكر”، التي عادة نقلعها عندما تنبت بجانب شتلة الأنثى، التي تنتج بودرة الحشيشة. نحن نريد تشريع النبتة التي نزرعها وليس التي نتلفها”. يضيف أنه ضد التشريع وضد وجود شركة أجنبية في أرضه، ويوضح أنه قد التقى منذ فترة قصيرة باللجنة التي تعمل على القانون، وأوضح لهم أن القنب الهندي لن تنجح زراعته في هذه المنطقة ولا يمكن الإستفادة منه، إلا لإنتاج زيت نبتة القنب “CBD oil” أو استخدام عيدانه.
نريد تشريع النبتة التي نزرعها وليس التي نتلفها
منذ عامين أطل النائب إنطوان حبشي في مقابلة كشف فيها عبر قناة “الجديد” تفاصيل مشروع قانون تشريع الحشيشة، وهو النائب الذي تقدم عام 2018 في مؤتمر صحفي عقده في مجلس النواب باقتراح قانون معجل لوضع ضوابط قانونية لتشريع زراعة الحشيشة. يذكر حبشي في المقابلة “ما أقدمه اليوم هو زراعة فعلية بديلة” وقال: أن الحشيشة أنواع، وأي نبتة حشيشة يوجد فيها مكونين أساسيين وهما: تتراهيدرو كانابينول والكانابيديول THC وCBD، الأول هو المسؤول عن الهلوسة والتخدير، أما الثاني هو المكون الذي يستعمل لإنتاج الأدوية. ويؤكد أن الشتلة المزروعة اليوم في بعلبك الهرمل هي شتلة هجينة، وبالتالي فإن نسبة الـ THC فيها عالية جداً. أما النبتة المرخصة في القانون هي نبتة أخرى، مؤصلة وليست هجينة.
بينما يطمئن المهندس الزراعي الدكتور محمد الفران الذي عمل في اللجنة الفرعية النيابية لمشروع القانون، أن النبتة التي شُرعت تشبه حشيشة الكيف التي تزرع في لبنان وفي غير لبنان. ويقول “نحن لم نزرع بعد هذه النبتة المرخصة في لبنان، إنما وضعنا فرضيات بناءاً على تجارب دول سابقة. النبتة المرخصة تشبه نبتة القنب الموجودة في لبنان لكن نسبة المادة المخدرة فيها THC قليلة جداً، بينما نبتة حشيشة الكيف التي تزرع في لبنان نسبة المادة المخدرة فيها عالية جداً. النبتة المُشرعة تحتوي على مادة مخدرة قليلة، بينما تحوي على المادة المستخدمة الطبية فيها، كانبيديول CBD بشكل أكبر”. ولكن بالرغم من إختلاف النبتتين يؤكد عضو اللجنة الفنية لدراسة مشروع ترخيص القنب أن هذه النبتة “ستدر أموالاً أكثر بكثير من النبتة التي يزرعها أهالي بعلبك”.

ماذا يريد أصحاب الأرض؟
تحت عنوان “شرعولنا الحشيشة قبل ما يفتحولنا مدارس”، نشرت الصحافية سعدى علاو فيديو على فيسبوك فككت فيه إنجاز تشريع الحشيشة وكتبت فوق رابط الفيديو” بدنا تعويض عن تلاتين سنة سميتونا فيهم خارجين عن القانون وطفار، تشريعكم للحشيشة هو غسل لإجرامكم بحرماننا من الإنماء”. وفي اتصال هاتفي مع سعدى علاو، إبنة جرد الهرمل، تقول رأيها حول التشريع: “الدولة توهم المجلس النيابي والقوى السياسية التي وافقت على تشريع زراعة نبتة القنب الصناعي والطبي، والتي لا تشبه النبتة التي يزرعها بعض المزارعين في بعلبك – الهرمل.”
وبحسب علاو فأن المُشرّع للقانون لا يعرف إذا كانت الأرض صالحة لهذا النوع من القنب أم لا، مضيفة أنه لم يأتي أحد لعمل دراسة لنوعية الأرض أو التربة وما اذا كانت ملائمة لزراعة القنب الهندي، بحسب قولها. وتضيف أن حزب الله، والذي هو معني أساسي في هذه المنطقة لم يوافق على القانون لأنه لم يبنى على جدوى اقتصادية برأيها، بينما قدّم الحزب جدوى اقتصادية تبيّن عدم جدوى القانون اقتصادياً على المنطقة، وبالتالي كل ما يقال عن “الذهب الأخضر” هو مجرد كلام.
تُعتبر محافظة بعلبك الهرمل محسوبة سياسياً على “حزب الله”، وقد عبّر صريحاً الحزب عن موقفه أثناء اجتماعات اللجان، وهو أنه لم يجد أي جدوى اقتصادية من التشريع. يقول ممثل الحزب في اللجنة النيابية الفرعية المُكلّفة بدراسة اقتراح قانون تشريع القنب الهندي النائب حسين الحاج حسن، في اتصال هاتفي معه أنه :”عندما سألنا اللجان العاملة على إقرار القانون عن الجدوى الاقتصادية لهذا التشريع قالوا لنا أن القانون هو مجرد إطار ولا يتبع للقانون جدوى اقتصادية، وأنه بعد التنفيذ سيجرى دراسة اقتصادية”. وفي حديث مع عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب إبراهيم الموسوي حول ما إذا كان القانون هو ما يريده أهالي بعلبك؟ قال الموسوي :”لقد قمنا بزيارات امتدت على مدى ثلاثة أشهر من رياق إلى أعلى جرود مرجحين وغالبية من زرناهم قد حذرونا من هذا القانون”.
وهكذا يرى البعض أن هذا القانون لم يقر من أجل أصحاب الأرض، ولو كان كذلك لزارت اللجان العاملة على القانون المزارعين الذين يعملون في هذه الزراعة، أو حتى المواطنين الذين يعيشون في منطقة بعلبك الهرمل، يقول حمزة: من يريد تشريع الحشيشة يجب أن يزور المُزارع في داره ويسأله عن رأيه، ويشرح له تفاصيل القانون. مضيفاً أن عقلية المشرّوع لا تراعي ظروف المُزارع، وأن المُزارع لا يرغب بهذا القانون
هذا القانون لم يقر من أجل أصحاب الأرض، ولو كان كذلك لزارت اللجان العاملة على القانون المزارعين الذين يعملون في هذه الزراعة
تتشكل مجموعات معارضة في بوداي والبلدات المجاورة كما في المدينة ضد النبتة التي يرخصها القانون، إذ يعتبر البعض أن هذه النبتة تمحو هوية المنطقة حيث المقرر أن تعطي الشركات المشرفة على الزراعة بذور صناعية، تقضي على النبتة البلدية، كما ستُلزمهم برخص تشبه إلى حد ما رخص إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي)، والتي سمعتها سيئة بأذهان أهالي بعلبك. يقول حمزة أن هناك مجموعات وتكتل شعبي ستقوم بإصدار بيان عندما تحصد الحشيشة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر، يرفضون فيه زراعة النبتة الجديدة التي لا تشبه النبتة التي يزرعونها، والتي يمكن للأخيرة أن تستخدم لنفس استعمالات النبتة المرخصة في القانون.
لا مفعول رجعي للقانون
صحيح أن القانون فتح المجال أمام ترخيص زراعة القنب وتسويقه، لكن النبتة المرخصة في القانون هي نبتة مختلفة عن حشيشة الكيف التي تزرع في بعلبك، ولهذا السبب لم يذكر القانون أي مفعول رجعي حول المزارعين الذين كانوا ولا زالوا يزرعون الحشيشة. إذ أن هذا القانون ليس مدخلاً للعفو عن من زرع أو تاجر بالحشيشة، ولا مدخلاً لتسوية أوضاع الملاحقين بتجارة المخدرات. وعدم وجود مفعول رجعي يعني أن كل ما كان قبل صدور القانون ينفذ عليه الحكم الساري بقانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف.
في عام 2018، تم اقتراح قانون يطالب بعفو عام عن مرتكبي عدد من الجرائم، من بينها المتهمين بزراعة الحشيشة، والذي وُضع بالمبدأ كي يعالج المشاكل الاجتماعية في البقاع المتّرتبة عن تعاطي المخدرات وتسهيل ترويجها. والذي أورد في مادته الوحيدة في النقطة الرابعة ذكر جريمة زراعة النباتات الممنوعة المنصوص عنها في المادة 125 من قانون المخدرات رقم 673. إلا أن هذا القانون قد رفض خلال جلسة نيابية لأسباب سياسية متعددة.
القانون ليس للبقاع فقط
أول من أطلق الحملة الإعلامية لتشريع الحشيشة كانت الصحافية يمنى فواز، شاركها فيها إعلاميون ومؤثرون في العام 2013. وكان لفواز دورٌ كبير في تشريع الحشيشة. في ذلك العام خرجت فواز من حقول الحشيشة في بعلبك بأكثر من تقرير تلفزيوني وإلتقت بالوزراء المعنيين وعرضت عليهم ما تستطيع حشيشة بعلبك إنتاجه. واليوم بعد مرور سبع سنوات على إنطلاق الحملة، شُرعت نبتة القنب التي يمكن لكل المواطنين أن يزرعونها وليس حصراً أبناء البقاع، لكن ميزة واحدة ميزتهم عن سائر المناطق اللبنانية، أن هذه النبتة يناسبها مناخ البقاع.
وفي حين أنه لم تُجرب بعد زراعة القنب في مناطق غير البقاع لأنه عبر التاريخ عاش القنب فقط في البقاع إلا أنه لم يتم تحديد مناطق زراعة القنب فيها. ولكن يبقى سهل الأخيرة البيئة الأكثر ملائمة، يقول المهندس الزراعي محمد الفران “الزراعة هذه غير محصورة بالبقاع، ولكن النبتة المُشرعة قد تنجح زراعتها في البقاع أكثر من أي مكان آخر، لأنها تحتاج لنفس العوامل المناخية لنبتة الكيف”.
منذ العام 2014 توقف مكتب مكافحة المخدرات في البقاع عن تلف نبتة الحشيشة وذلك بإيعاز سياسي. أما وبعد أن تحالفت القرى التي تزرع الحشيشة، بوجه أجهزة الدولة مثل بلدة بوداي ودار الواسعة واليمونة، أصبحت القوى الأمنية تتلف في موعد محدد وهو شهر تموز/يوليو دونمات معروفة ومتفق عليها مسبقاً من أجل فرض هيبة الدولة، أما اليوم وبعد أن قوننت الدولة زراعة القنب، إختلف الوضع كلياً، إذ يبدو أنه سيصبح هناك نبتتين في البقاع، نبتة الدولة المستوردة من الخارج، ونبتة المزارعين في البقاع. والسؤال الأخير في هذه الحالة، كيف ستكون المواجهة بعد البدء بمراسيم التنفيذ؟ هل ستتنازل الدولة عن نبتتها لصالح النبتة البلدية أم أن مزراعي البقاع سيبقون دائماً خارج المعادلة؟
تم كتابة واعداد هذا التحقيق خلال منحة من نوى ميديا مع موقع Open Democracy، وقد تم نشر الحقيق على الموقع نفسه بتاريخ 15 حزيران 2020 https://bit.ly/3jt0vzJ