الإرهاب وتأثير دعايته الإعلاميّة

Omar Alsawadi بقلم: عمر السوادي |

في كلاسيكيّات العلوم السياسيّة يعرّفُ عالم الاجتماع الألماني يوهان بلينغه (1922) الدعايّة الإعلاميّة على أنّها: ,,نشر محفزّات ذهنيّة, التّي من المفترض أن تقودَ إلى أفعال,,. لكن يبقى هذا التّعريف قاصر عندما نريد مناقشةَ الدّعاية الإعلاميّة للجماعات الإسلاميّة المتطرفة مثل تنظيم الدّولة وغيرها تماما كتعريف الإرهاب الذّي يعتبرُ في الوقت الحاليّ أسهلَ تهمة قد يتم إلصاقها بأيّ خصم سياسيّ أو عسكريّ.

من أجلِ صورةٍ أوضح وتعريف أشمل للبروباغندا المتطرفة يقدم ستيفان كريستوف في ورقته البحثيّة “المنطق الوظيفي للدعاية الإرهابية في صورة متحركة” من عام 2014 خمس صفاتٍ ملازمة لمعظم الجماعات الإرهابية وهي: نشاطات عابرة للحدود، نمطيّة العنف الجسديّ، استغلال العنف لإحداث تغيير، نمطٌ العنف يخالف عنفَ الدّول وموجّه ضد الدول بالإضافة إلى الخلفية الدينيّة السياسيّة.

إذن من أجل حصر فهم الدعايّة الإسلاميّة المتطرفّة يجب علينا أولاً تمييزها عن الدعاية التقليديّة. فدعايةُ الجماعات الإرهابيّة عابرة للحدود تماماً كالعنف الذي تمارسه، وهي تحتوي على دوافعٍ دينية سياسيّة، كما أنّها موجهةُ لجميع النّاس باختلاف أديانهم وقوميّاتهم، على عكس البروباغندا السياسيّة في الحملاتِ الانتخابيّة مثلاً.

معظمُ التقارير الصحفيّة والدراسات البحثيّة قامت بتركيز عملها على فهم استراتيجيّة الدعايّة الإعلاميّة للتنظيمات الإرهابيّة، على سبيل المثال تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة في أوجِ قوّتهما. لكن ما كان يتم إهماله هو عدم محاولة فهم سبب تأثير هذه الدّعاية على عدد كبير من البشر، أو كيف تحدث عمليّة التأثير هذه. الاعتقاد السّائد بأنّ وسائل الإعلام دائماً قويّة وأنّ الجمهور ضعيف قابل للتأثّر “أو ما يسمى في بحوث الدّعاية بنموذج التحفيز – الاستجابة” هو كلام عفا عليه الزمن منذ أكثر من سبعين عاماً. هناك ظروف وشروط يجب أن يتم مراعاتها من قبل مقدّمي المادّة الدعائيّة لكي يضمنوا أنّ محتواهم سيكون له تأثير على الصّعيد الاجتماعي أو السياسيّ. ولفهم هذا الجانب هناك العديد من النماذج التي وضعها علماء الاجتماع والنفس لشرح آلية التأثير والإقناع.

عام 1968 قام ويليام ماجواير بتطوير نموذجه لشرح آلية الإقناع لدى جمهور المواد الإعلاميّة، استنادا له تتكوّن آليّة الإقناع من عدة مراحل منها: الانتباه، التفهّم، التراجع ثمّ القيام بفعل ما. مثلاً عندما قام أبو محمد العدنانيّ الناطق الرسمي باسم تنظيم الدولة بإفتاء الجهاد في دول الخارج لمن ليسوا قادرين على القدوم والانضمام لتنظيم الدولة، بدأت الهجمات الإرهابيّة من قبل متعاطفين أو مؤدين للتنظيم في الغرب. يريد تنظيم الدّولة من المجتمع الإسلاميّ الغربيّ أن يقاتل شركائهم في العيش غير المسلمين ويهدد بأنه سيعزل المسلمين بطريقة أخرى من خلال الهجمات في أوروبا والولايات المتحدة وبالتالي يجبرهم على تغيير سلوكهم. كان الهدف هو القضاء على المجتمع المتجانس في الغرب وتقسيمه إلى مسلمين وغير مسلمين على أساس الدين يتطلب هذا النوع من الدعاية اهتمام المتلقي، وفهم “الجهاد المقدس” للمسلمين ضد الآخرين، وبالتالي يؤدي إلى اتخاذ إجراء من جانب المتلقي.

النموذج الثّاني الذي يساعدُ على فهم هيكليّة المواد الدعائيّة للتنظيمات الإرهابيّة هو نظرية التنافر المعرفي للعالم ليون فستنغر عام 1957، التي يشرح بها أنّ المعلومات التي تخالف قناعاتنا الشخصية تقودنا إلى شعور غير مريح، مما يؤدي بنا إلى البحث عن مزيد من المعلومات، التي قد تؤدي إلى تغيير في قناعاتنا وحتى أفعالنا. فعندما خرج مقاتلو تنظيم الدولة بجانب البيوت المهدّمة وجثث المدنييّن بسبب المعارك ضدّهم قاموا بتسيس صور الضحايا من أجل سحب الشرعيّة من الحرب على الإرهاب. هذه الصور قامت في معظم الأحيان بتأدية أهدافها، فكان لها تأثيرٌ على المسلمين الذي عارضوا قصف المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في حين انضم البعض الآخر إلى التنظيم من أجل مساعدة المدنيّين العالقين تحت القصف. انضمام كان يحدث بسبب الشّعور بالذنب الذّي يخلقهُ تنظيم الدولة في نفس المتلقي لجعله ملتزماً دينيّاً وأخلاقيّاً تجاه الضحايا، متجاهلاً سبب بؤس النّاس في الأساس كان خلافة البغداديّ.