Opinion Piece

يا ساسة العار… عن بيروت نتكلّم!

Maryo Nakhoul بقلم: ماريو نخول |

يا ساسة العار! ماذا لو انفجرت آذانكم وعقولكم وتطايرت أجسادكم مئة مرة في الهواء قبل أن ترتطم بفراشكم الملطّخ بالدّماء؟ ماذا لو صحوتم ولم تجدوا أطرافكم؟ ماذا لو استيقظ أبناؤكم وبناتكم أيتامًا؟ ماذا لو لم تعودوا الى منازلكم بعد عملكم؟ ماذا لو خسرتم سقفكم؟ ماذا لو صحونا في بيروت ولم نجدكم؟ كم سيكون يومًا جميلًا… لنتخيّل معًا يومًا كاملًا في لبنان من دون الطّبقات السّياسيّة كلّها الّتي مرّت على وطننا الحبيب. اتركوا ذهنكم يسرح ويجول معي:

الخسّة الكبيرة بـ100 ليرة

السّماء زرقاء صافية كالعادة في القصر الجمهوري. درجات الحراراة معتدلة. العصافير تزقزق. القطار متوقّف أمام القصر. لا استقبالات في القصر الجمهوري اليوم ولا بروتوكولات ولا ابتسامات صفراويّة ولا جهود للقيام من السرير. لا سفراء يدخلون ولا دبلوماسيين يخرجون. لا تهديدات للبنان. لا تمريقات ولا طبطبات. لا تهرّبًا من المسؤوليّات. لا نومًا. الكهرباء لم تنقطع اليوم. لا سريرًا. الدّولار بألف ليرة لبنانية. لا فراشًا. لا شخيرًا. الخسّة الكبيرة بـ 100 ليرة لبنانيّة.

الجيغابايت الواحد يكفي لعام كامل

في عين التّينة، التّينة استوت والموسم جيّد هذا العام. كذلك النّفط والغاز. التّصدير الى الخارج يتمّ بنجاح وهناك إقبال كبير من بلدان العالم الثالث. لا اجتماعات. لا صفقات نفط وقمح وأدوية. لا مفاوضات على ترسيم الحدود. لا غمزات. لا مؤامرات. لا زوّار ولا رسائل مشفّرة. لا اعتداءات على الحدود. الحدود غير مشرّعة. لا سرقة للموارد. الأمن ممسوك والسّلم الأهلي غير مهدّد. المعابر غير الشرعية مغلقة والمازوت والطّحين في الداخل. الاتّصالات جيدة الشبكة ممتازة في كلّ لبنان. الجيغابايت الواحد يكفي لعام كامل وكلفة الدّقيقة الواحدة 0,0003 ليرة لبنانيّة.

الفوط الصّحّيّة والواقي توزّع مجّانًا

في بيت الوسط، التمويلات والمساعدات والهبات الخارجيّة توقّف تدفّقها. اللّبنانيون دخلوا الى فرنسا وأميركا من دون تأشيرات مرور. لا مناكفات في بيت الوسط ولا مزايدات على حبّ بيروت. لا جلسات في البرلمان وأسراب الحمام تحلّق فوق ساحة النّجمة. لا اجتماعات. لا حكومة. لا وزراء. لا صفقات. لا روائح نتنة في الأروقة. لون الصّبغة الشّائع في لبنان هو البنّي شكولاتة ومع كلّ عبوة صبغة للشّعر مشط فولاذي هدية. أعلام لبنان ترفرف على سطوح الأبنية في كلّ لبنان. في كلّ بقعة منه. كيلو حليب الأطفال بـ 3 ألاف ليرة لبنانية والفوط الصّحّيّة توزّع مجانًا. كذلك الواقي.

كاس وناس وكرامة في الجوّ

السّيّاح وصلوا الى لبنان لتمضية هذه اليوم الوحيد في بيروت عروسة الشّرق والغرب. جاؤوا ليستمتعوا بمياه البحر الأبيض المتوّسط النّظيفة ويتنشّقوا الهواء العليل والنّقي. قد يستغرق وقت وصولهم من مطار القليعات ساعة واحدة في القطار السّريع الّذي ركبوا فيه. عشرون باخرة وصلت الى مرفأ بيروت، فيما رست 40 أخرى في مرفأ طرابلس. مطار بيروت أصبح الأكبر في العالم.

المباني الشّاهقة في طرابلس تذهل عقول السّيّاح، والتّكنولوجيا في الشّوارع تبهرهم. المقاهي والمطاعم تعجّ بالسّكّان والوافدين. مزارع شبعا خضراء والمتنزّهون وضعوا خيمهم لتمضية هذا اليوم الوحيد في أحضان الطّبيعة. تلال كفرشوبا أصبحت محميّات طبيعيّة. رائحة اللّيمون والحامض تملأ الجوّ. والكرامة تتناثر في الجوّ والشّوارع نظيفة ومعامل إعادة تدوير النّفايات تعمل على المياه والهواء. والكرامة تملأ الفضاء…

احفظوا ماء وجوهكم ودماءها واستقيلوا… لن تقتلوا بيروت ولا الثّورة

… فيما أنتم تغسلون وجوهكم بدماء الأبرياء. نعم وجوهكم. لأنّكم تملكون أكثر من وجه. كبرياؤكم أعماكم. جيوبكم الممتلئة تشدّكم الى الأسفل. طمّوا رؤوسكم في الرّمل. ادفنوا أجسادكم الفاسدة. ديدان الأرض لن تقترب من قرفكم. لم تتركوا لكم حبيبًا لا من قريب ولا من بعيد. من رأسكم الفارغ الى أقدامكم العاجزة. لبنان جنّة من دونكم. دنّستم ترابه بسوائلكم السّامّة. وجوه الشّؤم. وجوه العار.

لم تحرّكوا ساكنًا أمام مشهد الانفجار في المرفأ. انشغلتم بلملمة العمل الإرهابي الذي حصل، مهما كان من اقترفه. رؤساء. حكومات. أحزاب. ميليشيات. نوّاب. وزراء. مدراء. أشقّاء. أعداء. حلفاء. جميعكم مسؤولون عن بؤس الشّعب وفقره وجوعه وعراه. عاشرتم كلابًا كثيرة لكنّكم لم تتعلّموا منها سوى طريقة تناول الطعام: تأكلون اللحمة وترمون العظمة. هكذا فعلتم ببيروت. لعلّكم تعلّمتم من الكلاب بعض الوفاء.

بيروت الوفيّة لأبنائها غدرتم بها. بعتم أساورها المشغولة بالياقوت. صادرتم خاتمها السّحري. قصَّيتم ضفائرها الذّهبيّة. ذبحتم الفرحَ النائم في عينيها الخضراوين. شَطبتم وجهها بالسّكين. ألقيتم ماءَ النار على شفتيها الرّائعتين. سَمَّمتم ماء البحر. رشّيتم الحقدَ على الشّطآن الورديّة. أطلقتم النارَ عليها بروح قبلية. حاولتم قتل امرأة كانت تدعى حرية (عن قصيدة “يا ست الدنيا يا بيروت” للشاعر نزار قباني- بتصرّف).

احفظوا ماء وجوهكم ودماءها واستقيلوا. لن تقتلوا بيروت ولا الثّورة.

مواضيع ذات صلة

بعد انفجار العنبر 12 في مرفأ بيروت… فليكن حدادًا مؤبدًا