وسائل التّواصل الاجتماعي والإرهاب
في عام 2017 نشر مركز Soufan الأميركي تقريراً ذكر فيه أعداد المقاتلين الأجانب لدى تنظيم الدّولة الإسلاميّة “داعش“، الأرقام كانت صادمة، إذ قدّر المركز عدداً يقرب من أربعين ألف مقاتل ينحدرون من 110 دول حول العالم.
يرجح العديد من الباحثين أن هذه الأرقام إلى دعاية إعلامية ناجحة قام بها التنظيم، إذ كان تأسيس تنظيم الدولة على يد أبو بكر البغداديّ في عام 2014 هو مجرّد بداية حرب طويلة سواءً على الجبهة أو وسائل الإعلام.
ولعلّ معظمنا قد مرّ على منشور دعائي لمتطرفيّ التّنظيم في تويتر أو فيسبوك، فعلى عكس تنظيم القاعدة الذي كان ينشر مواد رديئة الجودة وغالباً باللّغة العربيّة كان تنظيم الدّولة يحرص على أن تصل دعايته إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير متعدّدة اللّغات، لذلك كانت وسائل التّواصل الاجتماعي من أهمّ ما اعتمدت عليه ماكينة الدّعاية المتطرّفة لنشر انتصارات وثقافة التّنظيم.
إنّ صناعة دعاية إعلاميّة جيّدة لا يعني بالضّرورة أنّها ستكون ناجحة، إنّ ما يجعل الدّعاية ناجحة هو ملائمتها لاحتياجات الجمهور المتلقّي واستغلالها للظّروف الاجتماعيّة والسياسيّة، لكن يبقى وصول الدّعاية للجمهور المستهدف هو التحدّي الأكبر لأيّ جهة سياسيّة أو عسكريّة. في الحرب العالميّة الثانية اعتمد النازيّون بشكل كبير على الرّاديو الذي كان ثورة تقنيّة في ذلك الوقت، إذ قامت الحكومة حينها بصناعة الملايين من أجهزة الرّاديو لتوزيعها على منازل الألمان. في السّنوات الأخيرة كانت وسائل التّواصل الاجتماعي مثل فسيبوك، تويتر، تليغرام وغيرها هي الرّاديو العصريّ الذي استغله تنظيم الدولة أشدّ استغلال.
ولأنّ الترويج للدّعاية عبر الإنترنت يتطلّب جهداً وتنسيقاً فقد كان لتنظيم الدولة من جهة صانعي المحتوى وناشريه على على هذا الفضاء، ومن جهة أخرى كان المؤيّدون له أو ما يُسمّون ب “أنصار التّنظيم“، هؤلاء الأنصار كانت مهمّتهم هي تداول المحتوى المتطرّف ونشره في كل المنصّات.
لقد استخدم الأنصار “الهاشتاغات“ من أجل ربط أخبار التّنظيم بالأخبار العالميّة، وكان ملايين الناس يستغربون من ارتباط “هاشتاغات“ كأس العالم أو الانتخابات الأميركية بصور مسلّحين ملثميّ الوجه أو مقاطع فيديو لمعارك في سوريا أو العراق، فكان تنظيم الدّولة يوظف النّقاط الإعلاميّة في مناطق سيطرته لنشر أفكاره ودعوة المدنيّين إلى القتال، أمّا في العالم الرقمي فقد صنع فضاءً متكاملا لمؤيّديه من مجتمعات الأقليّات المسلمة في الغرب.
فصعود اليمين المتطرف وخطاب الكراهيّة في أوروبا وأميركا قابله من قسم لا بأس له من المجتمع المسلم هناك إما انعزالٌ عن الحياة السياسيّة أو الاجتماعيّة أو في أسوأ الأحوال التطرّف الذّي كان يجد في العالم الرقميّ بيئة حاضنة له خلقها تنظيم الدولة لتجنيد الشّباب ودقّ إسفين في فكرة العيش المشترك بين المجتمعات المتعدّدة الأعراق والأديان.
إذن فوجود تنظيم الدّولة على وسائل التّواصل الاجتماعي ليس فقط من أجل نشر الدعايّة المتطرفة، بل هو وجود متعدّد الأهداف، أهمّها هو التّرويج لقوّة وهميّة لتنظيم باستطاعته الوصول إلى الجميع، هذا الوجود يستهدف المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، كما يهدف إلى زرعِ الخوف عند غير المسلمين ودفعهم إلى التشكيك بسياسة دولهم التي تحارب الإرهاب، وستهدف المسلمين بإقناعهم بأنّ “الدولة الإسلاميّة“ هي الحامي الوحيد لهم في ظلّ عالم “المؤامرة“.
يقول مقدم البرامج الأميركي إلڤيس دوران: “إن وسائل التّواصل الاجتماعي جعلت العالم بأكمله متوفّرا بضغطة إصبع، في الصباح نتابع الأحداث عبرها كلّ يوم، للسبب نفسه كنّا نقرأٌ الصّحفَ في السّابق“.
قد تكون وسائل التّواصل الاجتماعي هي آخر ما قد يستغني عنه تنظيم الدّولة نظراً لما تقدّمه من سرعة في تدفّق المعلومات وإخفاءِ هويّة من يدخلون إليها. نحنُ في النّهاية لن نذهب إلى اجتماعات المتطرّفين السريّة لمناقشة أفكارهم، لكنّنا سنضطرُّ إلى التعامل معهم في عالم الويب.
