وسائل التواصل الإجتماعي .. بيئة حاضنة لخطاب الكراهية والعنف

بقلم: عبير محسن |

أكتب بحرية عن كل ما يجول بخاطري، لا أقلق من أن أترك أي أثر على الآخرين لأني أعتبرها مساحتي الخاصة.. انعكاس لذاتي وأفكاري.
هكذا تقول آية محمد وهي أحد رواد وسائل التواصل الاجتماعي، الفيسبوك تحديداً. معبرة بذلك عن شعور الكثيرين من مستعملي هذه المنصات بارتفاع سقف الحرية حد محي معه مسؤولية الفرد تجاه نفسه وما يقول وتجاه المجتمع الالكتروني الذي هو جزء من مجتمع أوسع بكثير يتأثر بضرورة الأمر بكل “الترندات” التي تعلوا على وسائل التواصل الاجتماعي وليس بالضرورة أن يكون لديه حساب.

لُحظ مؤخراً سيطرة القصص المتداولة على المنصات التواصل الاجتماعي على النصيب الأكبر من الحديث في التجمعات والجلسات التي يقيمها الناس ويبنون استشهاداتهم من منشور فلان أو تعليق آخر وهذا ما يساهم في انتشار الشائعات وفبركة القصص والمخيف أكثر أن تكون هذه الفبركات عن قصد أذية آخرين.

الحرب اليمنية مستمرة منذ ست سنوات تقريباً وحتى الآن كان أكثر ما يغذي هذه الحرب هو الكلمة.. الكلمة التي تعمل على نشر خطاب الكراهية وتبث الحقد في قلوب أناس تم تجهيلهم على مدى قرون سابقة ولازالوا لا يستشعرون أهمية أن يكونوا على معرفة واطلاع بكل شي يحدث بالبلد ومن المصادر المعنية التي تتسم بمصداقية.

ولأن في اليمن ليس هنالك أية قوانين تكافح الجرائم الالكترونية منها التحريض، تشويه سمعة أو نشر الشائعات فإن الساحة الفيسبوك اليمنية تعج بكافة أنواع هذه الجرائم دون حسيب أو رقيب.

منصة مناصرة

قضية مقتل عبدالله الأغبري أحدثت صفعة للمجتمع فوقته ليرى مدى البشاعة الموجودة بمجتمعنا وكم خلقت الحرب وحوش بشرية تنهش في أرواح الناس وتستلذ في تعذيبهم وفي الجهة الأخرى كشفت عن “مازوشية” ا-الرغبة في تلقي الإهانة والتعذيب من الآخرين والاستمتاع بذلك- هذا المجتمع الذي لازال يقبع تحت وطأة الغبن والظلم دون ثورة.
هكذا تعبر جيهان محمد إحدى رواد منصة فيسبوك التي تعد المنصة الأكثر استخداما من قبل اليمنيين … تتحدث عن آخر قضية مثارة في الفيسبوك والتي اشتعلت بعد نشر فيديو تعذيب الشاب عبدالله الأغبري حتى الموت من قبل ستة أشخاص آخرين وانتهوا بقطع شرايينه حتى تبدو المسألة وكأنها عملية انتحار.

بحسب ما تم تداوله في فيسبوك فإن سبب الجريمة التي حدثت في إحدى محلات بيع وصيانة أجهزة الموبايل، أن عبدالله اكتشف ذاكرة ميموري بها 128 فيديو توثق جرائم ابتزاز واستغلال صاحب المحل وشركاء آخرين لنساء يمنيات ويرجح بأنهم كانوا يأتون للمحل لصيانة تلفوناتهم المحمولة.

حينما شعروا بالخطر بأن عبدالله قد يبلغ عنهم أو يفضحهم قاموا بتعذيبه بدم بارد لست ساعات متواصلة وكان يصارع الموت أمام أعينهم في الوقت الذي كانوا يتناولون فيه عشاءهم. كانت الجريمة ككاملة موثقة بكاميرة مراقبة سُربت مشاهدها إلى وسائل التواصل الاجتماعي بعد محاولة تدخل مشايخ القبائل لحل المشكلة والافراج عن القتلة مقابل مبلغ من المال وهي عادة يمنية قديمة يتبعها أهل اليمن ف يحل كثير من قضاياهم التي لا يلجؤون فيها للقضاء إلا كخطوة أخيرة ويائسة.

تداول الناس هاشتاغات عديدة متصلة بالقضية وبدأ هذا التفاعل يشكل ضغط على الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات سريعة ولكن المخيف كان وجود دعوات كثيرة لإعدام هؤلاء الجناة والتمثيل بجثثهم وتقطيعها.

 

 

 

 

 

إنتشار أفكار العنف

 

قد يُفهم غضب الناس وفزعهم الذين يعتقدون أن الإعدام بهذا الشكل المريع قد يخدم المجتمع ويردع المجرمين من ارتكاب جرائمهم ولكن هُنا تتبادر الأسئلة حول حقيقة التأثير الذي يتركه الإعدام في المجتمعات وما إذا كان بالفعل رادعاً أو لا.
بحسب منظمة العفو الدولية التي تؤمن بأن إعدام شخص لأنه أهدر حياة شخص آخر يعد انتقاماً، لا يعد عدلاً فإن كثير من الأسر التي فقدت أحباءً لها قالت أنه لا يمكن لعقوبة الإعدام أن تخفف عنها حقاً ألم الفاجعة. فهي إنما تمد لهيب ذلك الألم لتكتوي به أسرة الشخص المدان.
إضافة إلى أنه ليس هناك أدلة موثوقة على أن الإعدام أكثر فعالية من السجن كعقوبة رادعة للجريمة. وواقع الأمر، أن أعداد الجرائم الواردة من البلدان التي حظرت عقوبة الإعدام لم ترتفع بعد الحظر، بل وانخفضت فعلياً في بعض الحالات. ففي كندا، كان معدل جرائم القتل في عام 2008 أقل من نصف معدل عام 1976 الذي حُظِرَت فيه عقوبة الإعدام هناك.

وبالفعل تتزايد عدد الجرائم في اليمن حيث أسست الحرب بيئة حاضنة ومواتية له ورغم عدم وجود إحصائيات واضحة إلا أن صفحات التواصل الاجتماعي تعج بجرائم موثقة كثيراً في مختلف المحافظات اليمنية وغالباً لا تأخذ العدالة مجراها بسبب الانفلات الأمني الواقع في البلاد.
انتشار هذه الجرائم إضافة إلى الدموية التي أنتجتها الحرب وساعد في انتشارها الإعلام الحربي ووسائل التواصل الاجتماعي عزز العنف في أنفس الشعب اليمني وربما هذا هو المبرر الأقرب لأسباب طلب الكثيرين بإعدام وتقطيع وتمثيل جثث المجرمين. رغم ان حفاظ كرامة الإنسان وإن كان مجرماً هي حق شرعي إضافة إلى ما قد تتركه هذه الوحشية من أثر وشعور بالعار من قبل أهالي وذوي المجرمين.
ولكن لم تقتصر هذه الكراهية والعنف الواضح والمباح اليوم في ساحة الفيسبوك اليمنية على الجرائم فإن كمية التنمر الموجودة هناك والتحريض على الكراهية والعنف موجود حتى على أبسط المستويات حتى على أرض الواقع ولكن الفارق الوحيد في الفضاء الإلكتروني هو سهولة الالتقاء وكذلك الانتشار غير المقيد بمعايير محددة.
تعمل فيسبوك على حظر المنشورات التي الداعمة لسيادة العنصر الأبيض وتأييد تفوق العرق الأبيض، وكذلك المنشورات المعززة لمظاهر العنصرية كجزء من حملة ضد خطاب الكراهية، على أن يبدأ فرض الحظر من الأسبوع المقبل. كما ستشمل هذه الخطوة تطبيق الصور إنستغرام كاستجابة لضغوط رسمية وشعبية مستمرة، للحد من انتشار المحتوى العنصري، والأخبار الكاذبة والتحريضية والصور المفبركة ولكن يبدو أن كل ذلك ليس كافياً.