جرائم بمسوغات قانونية واجتماعية . هكذا تُقتل نساء اليمن

بقلم: عبير محسن |

صورة تعبيرية يظهر فيها نساء من اليمن

الكرامة حق مشترك للرجال والنساء على حد سواء لكن في مجتمعاتنا العربية يبدو أن كرامة الرجل لا يُعلى عليها وتستحق المرأة القتل بأشنع الطرق إذا ما ارتكبت ما يهينه تجويزاً.

هذا هو السبب الأول لأغلب جرائم القتل التي يرتكبها الرجال ضد النساء فممارسة النساء لحياتهن بمختلف تفاصيلها لابد أن تكون بما يتوافق ويروق لذويها الرجال حصراً وكأن لا شأن لها في حياتها، مالم فإن ذلك يُعتبر تعدي وتطاول قد يؤدي إلى مآلات حتمًا لن تكون حميدة بالنسبة للفتاة أو المرأة.

ولأن المجتمعات العربية ذكورية بامتياز خصوصاً في اليمن الذي يطلق عليه الكثيرون أنه مجتمع “محافظ” فتصبيغ الجريمة بالشرف كفيل بأن يطلق العنان لكل المجرمين الذين سيسرحون ويمرحون دون عقاب لأن الجريمة أُعطيت مسوغ اجتماعي وقانوني.

زادت مؤخراً وتيرة الجرائم التي تُرتكب بحق النساء وكل يوم نسمع عن جريمة جديدة لا تقل بشاعة عن التي قبلها خصوصًا بعد مقتل الضحية سميحة الأسدي التي تجاهلتها الجهات القانونية رغم أنه كان واضحاً أنها مرتكبة مع سبق الإصرار والترصد؛ وعدم أخذ قرار حاسم بمعاقبة الجناة قد شجع الكثيرين على إرتكاب جرائم مماثلة.

يونس الأسدي “شقيق الضحية”

من هي سميحة

كان كل جديد قضية سميحة الأسدي يصيب المجتمع بصدمة منذ ان قُتلت في قاعة المحكمة بتاريخ 9-4-2018 من قِبل شقيقها أمام مرأى ومسمع الجميع دون خجل أو تردد أو حتى اعتبار لحرمة القضاء إلى أن أعطي براءة ضمنية في يناير الماضي 2020 حيث حكمت المحكمة الاستئنافية بإلغاء حكم التعزير “الحق العام في التأديب” واقتصار الحكم على القصاص الذي تنازل عنه أولياء الدم منذ وقوع الجريمة.

بدأت القصة بعد ان طُلقت المجني عليها سميحة الأسدي من زوجها بتاريخ 15 -11-2017 طلاقاً بائناً حيث كانت الطلقة الثالثة وعندما عادت إلى أهلها لم يكن مرحب بها فعانت من تعنيف لفظي وجسدي وحرمت حتى من الطعام وكأنها تعاقب على طلاقها .
وعندما تقدم لها رجل أراد الزواج منها رفض الوالد دون وجه حق فقط لمجرد انه يعيش في مجتمع يعطيه الحق في التصرف بحياة محارمه ويصل هذا الحق حتى انتزاع روحها منها.

هربت سميحة الأسدي إلى المحكمة بمساعدة إحدى جاراتها ورفعت دعوى عضل ولي امر “أي نقل ولاية تزويجها إلى القاضي لتعنت وليها تزويجها لأن النساء لا يملكن حق تزويج أنفسهن حتى وإن بلغن ال50 .. لم تكن تريد سميحة سوى الخلاص من ظلم أهلها الذين قيدوا يديها وعاشت لديهم أسيرة مهانة مسلوبة الحرية والكرامة.

أودعت المحكمة سميحة في دار رعاية بعد هروبها اليهم وفق ملف القضية التي حصلنا عليه .. وبحسب قول شقيقها المجرم كانت تمشي في البيت مقيدة اليدين! وهذا ربما يجعلنا نتخيل الوضع الذي كانت تعيش فيه سميحة.
بتاريخ 9-4-2018 عقدت أول جلسة في الدعوة التي رفعتها سميحة ضد والدها .. كانت هذه الجلسة بمثابة محاولة صلح بينها وبين والدها من قبل القاضي حيث حضر كلاً من والدا سميحة وشقيقها إلى قاعة المحكمة.

جلست سميحة في الصف الثاني وبجانبها شرطية بينما جلس شقيقها في الصف الذي خلفها وفي اللحظة التي ذهبت فيها الشرطية من مكانها قام يونس الأسدي شقيق الضحية بإمساك سميحة من رقبتها بكل هدوء وتأني وغرس خنجر حاد في الجهة اليسرى من رقبتها بأبعاد (2X1) أدى إلى وفاتها فوراً.

عندما سُئل عن سبب جريمته قال “هي أختي كسرت ظهري” !

إحدى حملات المناصرة لقضية سميحة الأسدي

الطعن بالشرف

قيل إنه أشيع خبر هربها بطريقة مخجلة ومشينة بتاريخ 13-11-2017ما جعل زوجها يطلقها إثر ذلك لكن الوالد عندما بلغ عن اختفاءها كان ذلك في تاريخ 15-11-2017 وقد شهد الزوج أنه طلق الضحية بتاريخ 15-11-2017 فمتى شاع خبر هروبها وإن حدث ذلك فعلاً فإنها تكون بذلك هربت من منزل زوجها بعد طلاقها البائن بينونة كبرى حيث كانت الطلقة الثالثة كما أكد والد المطلق.

حكم القاضي على القاتل يونس الأسدي بالإعدام تعزيراً إلا أن والده استأنف القضية وطعن في الحكم الأول والذي للأسف نجح بإلغاء حكم التعزير من خلالها وتبقى حكم القصاص الذي تنازل عنه الوالد منذ البداية.

محامي يونس الأسدي ترافع عنه وفق ثلاثة دفوع متناقضة مع بعضها :
الدفع بأن القتل وقع تحت ضغوط اجتماعيه وقبلية بقيام وتحقق الظروف والأعذار القانونية المحققة “الدافع الشريف”
الدفع بأن المتهم غير مذنب لأنه يعاني من اضطرابات نفسية وعصبية إضافة إلى الضغوط الاجتماعية
الدفع بعدم قانونية ادعاء ومطالبة النيابة الحكم بالإعدام تعزيرا إلى جانب الإعدام قصاصا لمخالفة ذلك للقانون ولعدم وجود تلك الحالة في الواقعة وللجهالة إضافة على ما أثاره المتهم عند اعترافاته بالاستدلالات من كونه قد تم استفزازه من المجني عليها صباح يوم الواقعة أو انه أرتكب جريمته لعدم إنصافه من القاضي ومن جنود المحكمة أو لغسل عاره أو لأن المجني عليها هربت.

الدفوع السالفة مقبولة قانونياً متى ما قدمت في شكل بدائل وقد يكون مفهوما ان يسعى الدفاع للحصول على تبرئة موكله بأي وسيلة متاحة إلا ان مثل هذه الدفوع لا تستقيم عقلاً ومنطقاً رغم قبولها قانوناً كما رتبها الدفاع كبدائل بعد تنبيه المحكمة له إلا أنه رغم ذلك فهي تكشف عن اضطرابات تنم عن عدم ثقة الدفاع في جدية أي من هذه الدفوع فالمتهم إما ألا يكون عاقلاً وإما ان يكون عاقلاً، وإما أن يدفع بالأعذار مخففا والدافع الشريف أو يدفع بانعدام المسؤولية وإما ان يكون قد ارتكب الفعل بوحشية أو ارتكبه دون ان يكون مدركاً للفعل والنتيجة.

هروب من العدالة

إن محاولة التشكيك في صحة المجرم العقلية او النفسية طريق يسلكه الكثيرون لمحاولة الهروب من عواقب الجرائم التي يرتكبونها، وفي وضع الأسدي تطورت المسألة حتى قام بعمل مسرحية فشل في حبكتها فشلاً ذريعاً.
في الجلسة التي قدم فيها محامي القاتل تقرير لإثبات اضطراب موكله نفسياً سقط الأسدي فجأة إلى الأرض وأدى حركات شهد الكثير من الحاضرين وعلى رأسهم النيابة العامة أنها بدت تمثيلية ، تشنج لعدد من الدقائق كمن فيه مرض الصرع ثم أفاق بعد ذلك.
التقرير المقدم لإثبات مرضه كان معيوباً وواضح انه تم تزويره فلم يكن المرض مسمى وعدم صحة عمر المريض بالمقارنة بعمر المتهم الحالي إضافة على عدم كتابة اسم الطبيب الموقع كاملاً وعجزهم عن إحضار الطبيب المعالج لسماع شهادته بينما الشاهدان الوحيدان على هذه الجزئية تحديدا يكونان صديقا المجرم والذي تناقضت أقوالهما مع بعض وفوق هذا كله فإن المشفى الصادر عنها هذا التقرير المزيف غير متخصصة بالأمراض العقلية والنفسية.

تؤكد الدكتورة أحلام فاضل “دكتورة نفسية” ان الإنسان لا يدرك ما يفعله تحت تأثير الغضب والانفعالات وليس من المنطق أن القاتل يقوم بطعن الضحية في رقبتها بالجهة اليسار رغم انه ليس أشول لا يبرره إلا معرفة القاتل أن هذه الطعنة ستؤدي إلى الموت قطعاً ولو كان بسبب استفزازها له بكلام “رفض بيانه واستفصاله عنه” فإن تصرفه سيكون مخالفاً تماما وهنا يتضح أن الدافع الوحيد هو لجوء المجني عليها إلى المحكمة بدعوى عضل ولي ضد والدها بهدف تزويجها بمن تقدم لها ويرغب فيها وترغب فيه طلباً للعفة.

لقد قام يونس الأسدي بقذف اخته واتهامها بأبشع الكلام وطعن في شرفها كي يبرر قتله لها دون شهود أو أدلة على مجمل كلامه وادعاءاته إلا أنه نجح في تخفيف الحكم عليه.

 

النفس بالنفس والجروح قصاص والزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .. الخ تشريعات لا تميز بين النساء والرجال بل تعاملهم بناء على الجريمة المرتكبة لذا نطالب بإلغاء كل القوانين التي تسمح للرجال قتل النساء دون عقاب مهما كانت الأسباب وإذا كان القانون مستنبط من الشريعة الإسلامية فإن هذه الأمور واضحة عين الشمس لا شك أو خلاف فيها . وفي قضية سميحة الأسدي أستوجب التعزير لكي يكون درس لكل مجرم يؤمن بأن له الحق بسلب روح شقيقته او زوجته او أخته أو أياً من قريباته, ولأنها بريئة كل جريمتها أنها أرادت العفة وطالبت بما يكفله لها كل الشرائع السماوية والقوانين في الدينا.

تموت سميحة ومثلها عشرات بل ومئات من النساء في اليمن ورغم أن الأسباب مختلفة إلا أن طريق الخلاص الذي يسلكه المجرمون واحد وبعد ان أصبحت هذه القضية قضية رأي عام ووصلت تفاصيلها منذ البداية وحتى الحكم الأخير إلى المجتمع اليمني بأسره فإن هذا الحكم سيدشن مرحلة جديدة من الانتهاكات الجسيمة التي ستتعرض لها النساء اليمنيات لأنه سيبيح دماء وكرامة النساء ويسمح لكل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة مماثلة دون خوف من عقاب أو قصاص.