خُمس الهاشميين .. من أموال اليمنيين

بقلم: عبدالله المعمري |

“التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”، كان غاية النضال الذي قادهُ اليمنيين لسنين حتى بات أول أهداف ثورة ال26 من سبتمبر عام 1962م ، التي أنهت حقبة مظلمة عاشتها اليمن في ضل الحكم الإمامي الذي يرى أن حكم البلاد والذخر بثرواتها ومال مواطنيها حقٌ لهم بتفويض إلهي.

يعيد التاريخ نفسه اليوم، بعد ظهور وثيقة قرار الخمس مطلع شهر يونيو/حزيران من العام الجاري، صادرة من وزارة الشؤون القانونية في صنعاء والتي يسيطر عليها الحوثيون منذ انقلابهم العسكري أواخر العام 2014، وصفها اليمنيون بوثيقة التمييز العنصري وأثارت جدلاً واسعًا..

تحت عنوان “ما يجب في الركاز والمعادن”، وجوب حيازة “بني هاشم” للخُمس (20%)، من كل الثروات والمعادن المستخرجة من باطن البحر والبر ومن الجبال والكهوف، أياً كان نوعه وشكله وحجمه.

جاء هذا القانون بعد خمس سنوات من الحرب التي أثقلت كاهل اليمن المصنفة من البلدان الأكثر فقراً وجهلًا في العالم وفق تقارير وإحصاءات منظمات الأمم المتحدة.

تعتبر اليمن بلد غني بالثروات والمقومات التي تمكن شعبها من الحصول على حياة كريمة مرفهة، لكن قوى المصالح المتعددة المستمرة في إذكاء الصراع وإطالة أمده تجعل الأمر مستحيلاً.

استشعار الخطر

استشعر اليمنيون الخطر الكامن في مضمون الوثيقة، وبرزت سريعاً وتباعاً مواقف الاستنكار والسخط وردود الفعل الغاضبة من عدة جهات حكومية وكيانات رسمية تابعة للحكومة الشرعية على رأسها مجلس النواب وبعض الأحزاب السياسية وهيئة علماء اليمن، عوضاً عن المثقفين والناشطين، اتسمت هذه الردود بحدة في الخطاب ودعوات لتجريم العنصرية والتمييز.

الباحث اليمني “إبراهيم رمزي” لا يرى عجباً في القانون الصادر عن حكومة صنعاء، مشيراً الى أن تلك الأحكام والنصوص الواردة في الوثيقة، تعد معتقداً دينياً لا تقبل المساومة لدى الهاشميين، ومرتكزاً أساسيا لنظام الحكم والتاريخ القريب مليءٌ بالشواهد، يتجلى فيه بوضوح أنماط من العنصرية والتمييز، ولم يقتصر الأمر عند الجانب السياسي والاقتصادي، حتى في الحياة الاجتماعية لا يجيزون التزاوج مع عامة الناس لاعتقادهم أنهم قد يدنسون دمائهم كونهم سادة وشرفاء كما يطلقون على أنفسهم.

“لم يتم التعاطي مع الصراع كما يجب، وأخذ بعداً سياسياً واقتصادياً أكثر مما ينبغي على حساب البعد الفكري”

يقف “إبراهيم” عند نقطة العنصرية والتمييز ويُفصل في عملية الفرز في السلالة الهاشمية، والذي ينقسم الى مراتب عليا ودنيا بين الأسر وتفاوت في الطبقات والشرف، ويشير لوجود تمييز عنصري بيني في توزيع المناصب والأموال، إذ تنال بعض الآسر نصيب الأسد من المكتسبات التي حققتها الجماعة، فيما يحرم البعض، بحسب معايير مصنفة في الهيكل التنظيمي الخاص بها، معتبراً تلك الصفات ديدن ملازم لها منذ القدم.

لم يتم التعاطي مع الصراع كما يجب، وأخذ بعداً سياسياً واقتصادياً أكثر مما ينبغي على حساب البعد الفكري، وعدم التعامل بجدية وفهم سريعين مع المشروع الهاشمي المعد بدقة متناهية وبخطى مدروسة منذ عقود تحديداً من بعد ثورة 26 سبتمبر، والذي يسير بخط متوازي في علمه العسكري والفكري، كان سبباً في حالة الصدمة والذهول المرافقة للإجراء، في ظل انهماك القوى السياسية الفاعلة والحكومة الشرعية وأدوات الإعلام في صراعات وتجاذبات بينية أخذت منحى آخر، كانت بمثابة هدية مجانية للحوثيين. حد وصف “إبراهيم”.

مواقف رسمية

مجلس النواب في الحكومة اليمنية الشرعية وهيئة علماء اليمن والأحزاب السياسية، أعلنوا موقفهم من القانون المتضمن للوثيقة عبر بيانات نشرت على المواقع الرسمية، مجمعين على عدم شرعية القانون والذي يخالف تعاليم الدين الإسلامي، والقانون اليمني ومواثيق الأمم المتحدة التي تجرم التمييز والعنصرية، وفرز المجتمع على أساس عرقي وسلالي واجتزاء أموالهم لفئة محددة، أسبغت على نفسها طابعاً دينياً.

وأشار مجلس النواب في بيانه، بأنه وبموجب صلاحياته الدستورية سيناقش عند أول اجتماع له مشروع قانون تجريم التمييز بكل أشكاله، ووجه دعوة للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص الى اليمن للقيام بما يجب على وجه السرعة لإنقاذ الوضع في البلاد وإيقاف عبث الجماعة وتجريم السلوك العنصري، والضغط عليها لتطبيق القرارات الدولية والجنوح لخيار السلام.

وحذرت هيئة علماء اليمن في البيان الصادر عنها من خطورة أي قوانين او تشريعات تسن بطريقة غير شرعية، ونبهت الهيئة على أن اللائحة التي أصدرها الحوثيين هي جزء من السياسات التي تهدف لتجريف الهوية اليمنية، لأنها تفضي الى تقسيم المجتمع اليمني على اسس سلالية عنصرية تخالف شريعتنا الاسلامية.

وفي مواقف الأحزاب السياسية، ذكر بيان لحزب الإصلاح أن ما تطرحه هذه العصابة – حد وصفه – من تقسيمات وممارسات وأفكار بآلية تفرز الشعب الى يمنيين وهاشميين، من شأنه تدمير ما تبقى من النسيج الاجتماعي وستكون هي أول المتضررين منه، داعياً جميع المكونات السياسية والاجتماعية الوطنية والشخصيات المناضلة للوقف في وجه هذا التمييز العنصري.

فيما أشار بيان صادر عن قيادات حزب المؤتمر في الخارج الى رفضهم المطلق لكل أنواع العنصريات والسلاليات والامتيازات بين أبناء الشعب اليمني الواحد، بما في ذلك ما سُمي بوثيقة لائحة الخمس التي أقدمت عصابة الحوثي على افتعالها، مؤكداً على الافتخار بالهوية اليمنية وتجريم ما ينافيها او يسيء لها.

مساعي السلام

في خضم المواقف وردود الأفعال وما تضمنته من دعوات بما في ذلك الجنوح للسلام وإيقاف الحرب، يقول الباحث ابراهيم: “على الرغم من الحاجة الماسة لإيقاف الحرب إلا أنه خيار لا يُستجدى ولا يمكن قبوله من الهاشميين لطبيعة القرارات الرامية لجعلهم كيان سياسي يشارك في الحكم، في الوقت الذي يمتلكون فيه القوة والمال والمساحات الشاسعة، فضلاً عن تمسكهم بالأحقية الالهية التي يدعونهم وتنازلهم عنها لا يمكن في أي حال من الأحوال في ظل المعطيات الحالية على الارض”

ونوه الى أن جرأة الحوثيين في إصدار مثل تلك القوانين، توحي بتمكنهم من إحكام السيطرة عسكرياً وفكرياً على المناطق الخاضعة لهم، والمرجح ألا يقف الأمر عند هذا الحد، وسنشهد المزيد من القرارات التي تجسد الرؤية الهاشمية في الحكم فعلياً على أرض الواقع، لاقتصار ردود الفعل المناوئة على بيانات الاستنكار والشجب.

وكان الهاشميون قد حكموا شمال اليمن في فترات متفاوتة منذ عشرة قرون، عبر دويلات مختلفة رافقها صراع على الحكم مع أسر لا تنتمي للسلالة، وترفض استحواذهم على السلطة تحت يافطة الحق الإلهي، آخرها المملكة المتوكلية اليمنية ( 1918م – 1962م )، والتي أسقطها الثوار الجمهوريون بعد اغتيال الإمام يحيى حميد الدين، وقتل ابنه أحمد الذي خلفه بالحكم، ونشوب حرب حُسمت في النهاية للثوار أُعلنت على إثرها قيام دولة جمهورية تؤمن بالمساوة وترفض التمييز بين الطبقات..