كوفيد-19 في تعز يشدد الخناق مادياً ومعيشياً على المواطنين

بقلم: عبدالله المعمري |

مع الإعلان عن أولى حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 في محافظة تعز -غربي اليمن- المدينة الأكثر كثافة سكانية بالبلاد، برزت عدداً من المخاوف لدى المواطنين من التبعات المادية والمعيشية التي ترافق الفيروس، تحققت جميعها في أقل من 40 يوماً  من الانتشار، تجسدت بارتفاع الأسعار وانعدام كل ما يمت للوقاية والعلاج بصلة بما في ذلك القبور، في ظل تدهور كبير للقطاع الصحي وغياب شبه كامل للسلطات.

 

الوضع المادي للمواطنين كان  الأبرز والأكثر تأثراً في مدينة تعيش وضع الحرب والحصار منذ خمسة أعوام، الأمر الذي قوض من قدرة المجتمع على مواجهة كوفيد-19 والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء على نطاق واسع، كما أن القطاع الصحي يعاني من عجز في القيام بدوره على أكمل وجه، ما يجبر المجتمع على مواجهة الجائحة بشكل ذاتي.

 

في 1 مايو/أيار 2020، جاء الإعلان عن أول حالة إيجابية بكوفيد-19  في مدينة تعز لشخص أربعيني العمر قدم من مدينة عدن، حيث شهدت المدينة  إنعدام ملحوظ لمعظم أدوات الوقاية في الصيدليات بشكل مفاجئ أبرزها المعقمات والكمامات، سرعان ما ظهرت مجدداً وبأسعار مرتفعة.

 

وصف المدير التنفيذي لمركز شفاك الطبي – منشئ حديثاً – المتخصص في التعامل مع حالات كوفيد-19 وضع تعز حيث قال : إن تعز حالة إستثنائية ووضعها حرج فهي الأكثر عرضة لانتشار الوباء بسبب الحرب والحصار والذي جعل سكانها ينزحون نزوح داخلي للمناطق البعيدة من المواجهات العسكرية وتحولت الى ما يشبه مخيم لجوء يتكدس فيه السكان بمساحة صغيرة مع غياب تام للجاهز الصحي وباقي الخدمات كالمياه والصرف الصحي وندرة في الادوية ومستلزمات مكافحة الوباء بفعل الحصار” بحسب تصريح للدكتور “عبد المغني المسني”.

 

في مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري ، تداول ناشطون محليون على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ، صورةً لجثة بغطاء طبي خاص بضحايا الفايروس، مرمية بالقرب من بوابة احدى مقابر المدينة، قالوا بأن احدى المركبات قامت بوضعها هناك وغادرت ثم تكفل بدفنها مواطنون، يبرر البعض  ذلك بعدم قدرة الكثيرين تحمل تكاليف الدفن بعد ارتفاع أسعارها الى ما يقارب 45 الف ريال يمني – 65 دولار-.

 

ذُكرت الحادثة في منشور للناشط “أحمد فاضل” على فيسبوك، حيث قال: “بالأمس قالوا تم رمي جثة في المقبرة وتركه، أعتقد ان السبب عدم امتلاك الأهالي لقيمة القبر بعد ان مات وهم لا يملكون قيمة العلاج!!”، جاء ذلك اخر منشوره الذي يصف به الأوضاع التي يمر به الأهالي في تعز اثناء اسعافهم المرضى، اذ ترفض المستشفيات استقبال الكثير من الحالات المرضية المختلفة خوفاً من احتمالية اصابتهم بكوفيد-19.

 

وقال “فاضل” في مستهل منشوره “تظل من الساعة 2:00 بعد الظهر انت ومريضك في مستشفى الجمهوري فيرفض استقباله، ثم تتوجه الى الصفوة فيرفض ثم الروضة والحكمة، ليتم استقبالك عبر وساطة في مستشفى التعاون من اجل الحصول على  الاكسجين للمريض” بالإضافة الى التكاليف التي خسرها “فاضل” في اجراء الفحوصات وتخطيط القلب وشراء الدواء، فضلاً عن طلب مبلغ 50 الفاً باليوم مقابل التنفس الصناعي للمريض، قبل ان يتم اخباره عن وفاة الحالة بسبب هبوط في نسبة الاكسجين نتيجة لإسعاف الحالة متأخراً ، ويضيف “تذهب بالمتوفي الى المقبرة ويطلب منك 45 الف قيمة القبر!!”

 

العديد من الحوادث المشابهة يتم تداولها بشكل شبه يومي، نظراً لانتشار العديد من الأوبئة المختلفة بما فيها كوفيد-19 ، تظهر جلياً حالة السخط في أوساط المواطنين ومسؤولين حكوميين على حداً سواء، من الوضع الطبي وانعدام الإنسانية في قلوب الكثير من مدراء المستشفيات الخاصة والعامة كما جاء في وصف العقيد “عمار الجندي” – أحد ضباط الجيش الوطني في تعز – بمنشور مطول على فيسبوك يتحدث عن تجربته بعد تعرضه للإصابة بكوفيد-19 هو وعائلته ورفض المستشفيات استقبالهم.

 

في ذات السياق ارتفعت أسعار المواد الأساسية كالقمح والزيت والسكر، عوضاً عن  الفواكه والخضروات خصوصًا التي تحتوي على “فايتمين سي”؛ ارتفاعاً وصل إلى الضعف مع انعدام مؤقت لها في الأسواق، إضافة لأقراص الفيتامينات من الصيدليات، بالتزامن مع  تدهور الريال اليمني امام الدولار حيث وصل سعر الدولار في مدينة تعز إلى 730 ريال في مؤشر مخيف ينذر بكارثة إقتصادية .

 

المشتقات النفطية أيضاً، بعد هبوط أسعارها في السوق العالمية وانخفاضها في اليمن وخصوصاً تعز ووصول سعر اللتر من مادة البترول الى ما يقارب 210 ريال يمني، عادت للارتفاع مجدداً وصولاً الى 325 للتر البترول  بزيادة بنسبة 50%، وبالمثل بقية المشتقات النفطية بما فيها الغاز المنزلي”

 

السلطات في تعز أقرت حزمة من الإجراءات الإحترازية  لمنع تفشي الفيروس في المدينة منذ اليوم الأول من إعلان اكتشاف أول حالة إصابة مؤكدة، كإغلاق الأسواق العامة والخاصة والمساجد والمطاعم وغيرها ، لكن لم تطبق معظم تلك القرارات على أرض الواقع والبعض الآخر لم يستمر كثيراً حتى عاد الوضع كما كان عليه في السابق.

 

يرجح مراقبون أن الأسباب تكمن في إعتماد شريحة كبيرة من المواطنين على العمل اليومي في توفير المال لإعالة أسرهم، فالحجر المنزلي وحظر التجوال قد يحرم الكثيرين من مصدر دخلهم الوحيد، الأمر الذي قد يضاعف من المعاناة.

 

الأوضاع المادية المتردية،, أجبرت المواطنين على التداوي في المنزل وبشكل ذاتي والتخلي عن خيار الذهاب إلى المستشفيات لدى شريحة كبيرة من المجتمع بفعل الحرب المستمرة للعام الخامس على التوالي.

 

الجدير بالذكر أن عملية صرف مرتبات الموظفين المدنيين في مدينة تعز ليست مستقرة ، وتعاني أغلب القطاعات الحكومية من التأخير والمماطلة في الصرف تطول لعدة اشهر، يأتي ذلك بعد نقل البنك المركزي للعاصمة المؤقتة عدن، وإعادة بناء قاعدة بيانات الموظفين من جديد، بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء واستحواذها على جميع مؤسسات الدولة منذ انقلابها العسكري في مطلع عام 2015.