عاد قطع الطرقات

بقلم: بتول دياب |

أيّام من الراحة منحها المتظاهرون لأنفسهم عقب فترةٍ قضوها في الشوارع، مطالبين بتغيير البلد “من البابوج للطربوش”. ولكن ما إن وردت أنباء عن اقتراب تشكيل الحكومة، حتى عاود المتظاهرون النزول إلى الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية.

وإنني ما إن أقرأ خبراً حول طريق قطعت أذكر قصتي مع طرق منطقة الدامور التي أغلقت نهاراً كاملاً.

في الأيام الأولى من الحراك، ذهبت في عطلة نهاية الأسبوع إلى الجنوب اللبناني للابتعاد عن مشاغل الحياة وللاختلاء في القرية بعيداً عن ضجة بيروت وصخبها. وفي اليوم التالي، عزمت النزول إلى المدينة قبل أن يقطع “الثوار” الطرقات المؤدية إلى بيروت، حيث أنني مجبرة على المداومة في الجامعة والعمل خلال الأسبوع. ومن المعلوم أن المحتجون منذ بدء الحراك اللبناني يقطعون الطرقات ليلاً حتى الصباح ويفتحوها أحياناً في وقت الظهيرة.

بدأت رحلتي من قرية الشرقية قضاء النبطية-جنوب لبنان، وكان المرتجى بيروت.

قبل الانطلاق، أجريت اتصالاً مع التحكم المروري للتأكد من أن جميع الطرقات المؤدية إلى بيروت سالكة، وتم التأكيد على ذلك.

وصلت إلى الدامور، وإذ بجميع السيارات بدأت بالتوقف، ثم بعد الاستدلال، والسؤال، سلكنا طرقات فرعية أخرى في المنطقة، فـ “الثوار” عاودوا قطع الطريق هنا، وكنا نحن رهناً لمزاجهم.

توجهنا مرغمين إلى طرق الدامور الفرعية وكانت هناك “الطامّة” الكبرى، حيث أن الثوار أغلقوا أيضاَ طريقنا الوحيد إلى بيروت. وبدأت حينها رحلة الست ساعات في مكان واحد.

أطفأت محرّك السيارة وجلست أتأمل المشهد.

ربما كان الحظ حليفي لبعض الوقت، حيث أنني قبل الوصول إلى الدامور، توقفت في صيدا لشراء المياه والقليل من الطعام. وحمداً لله، لم أحتج دخول الحمام لقضاء حاجتي خلال ساعات الإننظار المشؤومة تلك.

كان مأسوياً فعلاً. المواطنون ترجلوا من سياراتهم وباشروا بإطلاق اللعنات. لعنوا البلد وأهله، البلد ودولته، و”الثوار”.

من بين الزحام، ظهر عناصر الصليب الأحمر وهم يحملون سيدة عجوز مشياً على الأقدام تارة، ويضعونها على الكرسي المدولب تارةً أخرى، للوصول لأقرب مستوصف أو مستشفى ومعالجتها.

ترجلت من سيارتي أنا أيضاً، لأسير قليلاً واُليّن فقرات ظهري التي “يبست” من كثرة الجلوس. وتبادلت خلال ذلك الأحاديث مع من شاركوني المعاناة.

سيدة سألتني إن كنت أحمل دواءً مسكناً لآلام الرأس، و رجل آخر قال لمن حوله: “ليكو ما تتطلعوا فيي، رايح لورا الشجرة” في أسلوب ممازح قصد منه القول أنه سيقضي حاجته وراء الشجرة. في حين تحسّر شاب عشريني على تركه كتبه في المنزل، معتبراً أن هذه الساعات كانت كافية لإنهاء المنهاج الدراسي بأكمله.

ما إن أرسل الجيش اللبناني قواته لفتح الطرقات، فُتحت لنا “طاقة نور وسط الظلمة” من خلال الممرات التي أذِن لنا المحتجون سلوكها بعد أن أبوا فتح الطريق بشكل كلي.

أنا لليوم، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على بدء التحركات، أذكر كلما سمعت أو قرأت أخباراً حول قطع الطرقات، المعاناة التي أجبرت على تحملها مع ما يزيد عن ألف مواطن، وأذكر جملة قالها دكتور محاضر في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية: “إذا أنا كنت قادر إجي، إنتوا بتقدروا تجوا”، وهو يقطن في ضاحية بيروت الجنوبية التي لم تشهد قطعاً للطرقات إلا في الأيام الأولى من بدء المظاهرات.

ومنذ حينها، لم أخرج من بيروت خوفاً من يوم آخر كهذا، فكل شيء متوقع في لبنان.