Supported by NAWA IF

كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية: هم طوّروا و”نحنا بعدنا بمطرحنا” إعداد: سمايا جابر – بتول دياب

Samaya-Jaber بقلم: سمايا جابر |

أنا الموقّع أدناه، طالب الجامعة اللبنانية -الأمّ-، الذي لم يعد لصوته صدًى يسمع في جامعة تخطّت بارتهانها وإهمالها حدود المهنية والمسؤولية، أعلن استيائي مما آل إليه صرح الوطن التعليمي.

فلم تعد أمي -كما أقسمت في نشيدها – تستطيع  حملي إلى العلى بعدما كسروا جناحها، وقلبها الذي اعتاد أن يضمني بات مسيّساً، احتلت شعاراتهم مكاني لتغويني.أمّا حضنها الذي تغنّيت بكونه حماً لي، غزاه التقليد وأثقل غباره القدم، فوُضعت شهادتي بعد التعب في موضع المجهول إذا لم تعدّل -أمّي- برامجها.

بلسان الحال هذا، يستكمل طلاب الجامعة اللبنانية مشوارهم الدراسي، ساعين لخلق فسحة أمل تساعدهم على تحصيل التميز الأكاديمي. ففي خضمّ انغماسهم بالمشاكل المتجذرة في الجامعة ونظامها، من تلك الإدارية والأخرى اللوجستية والمشاكل المتعلقة بالتجاذبات والوساطات السياسية، تشكل المعضلات التي يواجهها الطالب في المناهج والبرامج التعليمية همّه الأكبر، إذ أن تلك المرحلة هي القاعدة التي تخوله بناء مستقبله، والدخول بخطًى ثابتة إلى سوق العمل.

وشكلّت التطورات الالكترونية الحاصلة في وسائل الإعلام والتواصل، صدمة لجميع المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، كما كليات الإعلام في العالم، ومنها من عمل على تطوير واستحداث مواد وبرامج وآليات جديدة للّحاق بالركب ومنها من لم يطور فتخلّف عنه.

وبناءً على ما سلف، أكّد دكتور العلاقات العامة في الجامعة اللبنانية حبيب رمّال، أن “كلية الإعلام المصنفة بطبيعتها ككلية تطبيقية، ترتبط مناهجها مباشرة بالتغيرات في سوق العمل”. وبالتالي كان لا بد لهذه الكلية أن تواكب التطور من خلال “تعيين لجنة مختصّة للبحث بالمواد الواجب تعديلها، ومجاراة البرامج في الجامعات العالمية”.

وفي هذا السياق، قال الدكتور جورج صدقة، العميد المستقيل في كلية الإعلام، أن “عيشنا في عالمٍ مليئٍ بالتطورات والاكتشافات على صعيد العلم، يجعل تطوير المناهج في الكليات أمراً طبيعيا من الضروري استمراره. لذلك فالجامعة اللبنانية كانت من أولى الجامعات في العالم العربي التي اتخذت خطوةً سباقة في تطوير مناهجها، تماشياً مع تطورات المهنة والتعديلات التي أسقطتها جامعاتٌ في الخارج على برامجها، ورافقت التطور في جميع مراحله، إن من خلال التعديل الجزئي بإضافة المواد الرقمية واستحداث ماستر في الإعلام الرقمي خلال السنوات السابقة، أو من خلال تغيير كلي للمناهج يحدث بشكل دوري بعد مضي ثلاث سنوات على وضعها، كي لا تتخلف الجامعة عن دورها ورسالتها وارتباطها بسوق العمل”.

وتتم هذه التعديلات عبر لجنة لتعديل المناهج بناءاً على اقتراح العميد الذي يتولّى مهمة تعيينها بدوره. وتضم هذه اللجنة أكاديميين متخصصين من فرعي الكلية، يملكون خبرة وافية في المجال الإعلامي تخولهم التواجد في لجنة برامج، كما أنهم على تماس مع التطور التكنولوجي والرقمي الذي فرض نفسه على الساحة الإعلامية لكي يتمكنوا من اقتراح مواد تكون متممة للاختصاص. وبعد اختيار الأساتذة، يباشر المعنيون بالاجتماع في عمادة كلية الإعلام للتشاور والاقتراح لفترة زمنية معينة، ليخلصوا بعد الإتفاق إلى مشروع جديد يتضمن تعديل على المواد الموجودة أصلاً في المنهاج أو إضافة مواد ومقررات جديدة، تمتلك مواصفات عالمية”، وفق ما قاله الدكتور رمال.

ويتم عرض هذه التعديلات بعد الاتفاق عليها، على أساتذة  كل قسم من أقسام الجامعة، لوضع الملاحظات، التي يُعاد رفعها إلى اللجنة لإجراء التعديلات التي تراها مناسبة، وتتوافق مع المتطلبات الأساسية إضافةً إلى آراء المطّلعين، قبل الوصول إلى البرنامج النهائي، الذي يُرفع بدوره إلى اللجنة العليا لتطبيق البرامج والمناهج في الجامعة اللبنانية، ويدخل حيز التنفيذ بعد موافقة مجلس الجامعة عليه.

بعد إقرار البرامج ودخولها حيّز التنفيذ، أوضح الدكتور جمال نون، مسؤول قسم الصحافة في كلية الاعلام الفرع الأول، المسلك الذي تتبعه. فتبقى هذه البرامج تحت المراقبة لمدة سنة كاملة، يطلب خلالها من الاساتذة وضع ملاحظات على المشاكل التي واجهوها خلال التطبيق، أو تحديد المواد التي لاحظوا بعد البدء بتدريسها أنها لا تتماشى مع متطلبات التعليم الحديث. وبعد تحديد المشاكل، يجتمع رؤساء الأقسام بالأساتذة المعنيين -كُلٌّ باختصاصه- بهدف مراجعة الملاحظات ورفع توصيات للعميد، ليصار إلى  تطوير وتعديل نسبة معينة من تلك البرنامج في حال تطلّب الأمر ذلك.

وعلى المقلب الآخر، نفى نون دقّة الكلام الذي تتناقله ألسن الجميع من داخل وخارج الكلية، والذي يتمحور حول استحواذ الجانب النظري الحيز الأكبر مما تقدمه الجامعة للطالب، وبالتالي هي لا تحضره جيداً لخوض غمار العمل.

وقال نون إن الكلية التي تحتوي على الجانبين التطبيقي والنظري، “قلصت الفجوة بين طالب الجامعة اللبنانية وسوق العمل، بموجب التعديل الأخير الذي تم على إثره تطوير مناهج الكلية تدريجياً منذ سنتين، فلم يعد يُسمع أي أصداء سلبية عن العلاقة بينهما”. ويأتي هذا في سياق التطوير الذي أحدثته إدارة الجامعة من فصل مسارات في اختصاصات الصحافة والعلاقات العامة والإعلان، وزيادة تخصص علم البيانات وإدخال مواد رقمية على برامجها. ففي مجال الصحافة، أوضح نون “أن الطالب بات قادراً على التخصص في المجال الرقمي والمطبوع من جهة أو المرئي والمسموع من جهة أخرى في السنة المنهجية الثالثة بعد اكتسابه أساس الرسالة الإعلامية في السنوات الأولى، والذي يقوم على الجانب النظري. فمهما تنوعت الوسائل وتطورت، يبقى مضمون الرسالة الإعلامية والأسس التي توصل هذه الرسالة واحداً، مهما اختلف الحامل التقني لهذه الرسالة بين وسائل الاعلام الحديثة وتلك التقليدية، وهذا ما نحاول تطبيقه في برامجنا ومناهجنا”.

والجامعة وفق رئيس قسم الصحافة، تحاول تبنّي الجانب التطبيقي في برامجها وإسقاطه على الجانب النظري. لان الاخير يفتح الآفاق للدراسات العليا والأبحاث، ويمهّد الطريق أمام الطالب للمشاركة في إعداد البرامج وإعداد الرسالة الإعلامية التي تحكمها أسس تشكل القاعدة التي يجب على الخريج أن يكون على دراية بها، من مواد البحث العلمي، والمواد التي تعزز ثقافة القارئ”.

يأتي هذا الكلام على عكس وجهة نظر الطلاب الذين وجد أغلبهم أن المعاناة لا زالت مستمرة، وأنه بالرغم من المساعي التي تبذل من أجل التطوير إلا أننا “بعدنا مطرحنا”، ولا زال الرابط الذي يصل المهارات التي اكتسبوها في الجامعة بسوق العمل منقطعا.

كذلك، قامت كلية الإعلام وفقاً لما قررته اللجنة المذكورة، بفصل المسارات في اختصاص العلاقات العامة واتصال المؤسسات واختصاص الإعلان والاتصال التسويقي، بسبب التطور الذي شهده سوق العمل، والذي يحتم على طالب العلاقات العامة الإلمام بالاختصاص وتملكه الممارسات الجديدة التي لم تكن مدرجة في المنهاج القديم، بينما يتم التركيز في عالم الإعلان على كل ما هو مرتبط بالإبداع، وفقا لما ذكرته الدكتورة في العلاقات العامة نسرين زمّار، والتي تؤكد بدورها أن هذا الفصل لا يفقد الطالب أي من المكتسبات التي كان يوفرها الجانب الآخر من الاختصاص، بسبب إدراج مبادئ العلاقات العامة في المواد الاختيارية المخصصة لطلاب الاتصال التسويقي والعكس صحيح.

وانطلاقا من هاجس الجامعة الدائم حول كيفية مجاراة السوق وتطوير المناهج، كي لا يتم تخريج طلاب يمتلكون شهادات لا تتناسب وسوق العمل، أوضحت زمار أن “مسار التطوير بدأ قبل اقتراح العميد تشكيل لجنة لتغيير البرامج. فعلى مدار السنوات السابقة أخذ الأساتذة على عاتقهم إشراك الطالب بعد دخوله المجال المهني، في اكتشاف مكامن الخلل التي تمنعه من الربط بين ما حصله أكاديمياً وما يمارسه مهنياً، وذلك من خلال دراسات صغيرة يجريها الأساتذة، ويعبر فيها الطلاب عن العوائق التي واجهوها في سوق العمل، ويحددون النقاط التي يرون أن هناك ضرورة لتطويرها أو إضافة أخرى يريدون من كليتهم تعليمهم إياها”.

هذا الجهد الذي بذلته الجامعة في تغيير المناهج والبرامج، بهدف مجاراة التطور الرقمي في عالم الإعلام والاتصال، لم يبدد الرؤية التي تعتبر أن الجانب النظري هو أساس الرسالة الإعلامية التي لا تتغير بتغير الوسائل التقنية، بل تبقى كما هي مع تطوير الجانب التطبيقي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزّأ من تركيبة الكلية. إلّا أن الطالب الذي عاصر هذا التطور التكنولوجي وكان على تماس معه، اختلفت وجهات نظره بين أقلية مؤيدة للمسار الذي تعتمده الكلية في مواكبة التطور وأكثرية معارضة، ترى أن هذا التغيير لم يشكل إضافةّ، تعدّ الطالب لخوض التجربة في سوق العمل، ضمن الإمكانيات الضئيلة التي يعاني منها في حرم الكلية. فبعد أن استبشروا خيراً بتغيير المنهاج القديم الذي يعتبر بمجمله نظرياً، صدمهم عائق الفشل الإداري في ترتيب المواد والأرصدة المحددة لكل فصل، فاستغرقت الجهود الإدارية أسبوعين إضافيين من بدء العام الدراسي في اختصاصي العلاقات العامة والإعلان، وفق ما صرح به طلاب من الفرعين، لمباشرة العمل بتطبيق المواد التي أضيفت بفعل تغيير البرامج. كما أن التعاطي الأكاديمي للأساتذة الذين يفتقرون في بعض الأحيان إلى القدرة على إشباع رغبات الطالب في الممارسة التقنية والميدانية، شكّل واقعاً يحتّم على الطالب الذي يفتقر إلى المعرفة بأدنى حقوقه في الجامعة، الاعتياد عليه بجميع سيئاته.

كذلك وبالرغم من تقدير بعض الطلاب للجهد الذي تبذله الجامعة في إدخال مواد رقمية والكترونية على البرامج الجديدة، إلا أن البعض الآخر يرى أن هذه المواد لا تقدّم بقالب يكسبهم المعرفة التي تمكنهم من النجاح بالعمل في الفضاء الإلكتروني ضمن وسائل الاتصال الحديثة. فبعد حصول الطالب على فرصة التدرب في مؤسسات الإعلام الحديث، يكتشف الثغرات في المعرفة التي حصلها من الجامعة، ويقع ضحية سوء الانسياق بين ما يتم تقديمه أكاديمياً، وما تتطلبه المهنة على أرض الواقع.

وليس خافياً على أحد، أن الجامعة اللبنانية ليست كنظيراتها من الجامعات الخاصة في لبنان القائمة بأغلبها على الربح المادّي، باعتبارها مؤسسة رسمية. فتطوير المناهج فيها لا يعدّ أمرا يسهل تنفيذه، بل يتطلب لإتمامه موافقةً من مجلس الجامعة واللجنة العليا للمناهج، ويلزم التقيد بالميزانية المتوافرة لهذه الخطوة التي تحتم استقدام اساتذة جدد، كما أكّد العميد جورج صدقة. إضافةّ إلى ذلك فالأستاذ في الجامعة اللبنانية، هو موظف رسمي لا يمكن الاستغناء عن خدماته إذا تخطاه الزمن ولم يعد قادرا على تطوير نفسه، بل يجب على إدارة الجامعة حينها أن تعمل على تفصيل مواد تتناسب بحجمها وأهميتها مع قدرة المدرّس على العطاء، وفقا لما أوضحه تعاقباً كل من الدكتورين صدقة ونون. وبذلك، رغم وجود كل تلك المعوقات التي تصعّب على الجامعة اللبنانية عملية التغيير والتطوير، إلّا أنها وبجهود أغلب أكاديمييها المتخصصين في المجال الإعلامي وهم على تماس دائم مع تغيراته اليومية، وبسعي طلابها العصاميين الذين يبذلون رغم الإمكانيات الضئيلة المقدمة لهم جهداً كبيراً للوصول إلى التميز والنجاح، تبقى الجامعة اللبنانية إحدى أهم الجامعات الرائدة في مجالات تخصصها، ويبقى تلامذتها الذين نهلوا من كنوز معرفتها رقما صعباً يحظى بأولويّة في ميداني العلم والعمل.

تصوير: أيمن لزيق – مونتاج: شروق محيدلي