“خبز ونت” خطوة للنهوض بالحريات الرّقمية في منطقتنا

Samaya-Jaber بقلم: سمايا جابر |

أقامت منظمة سمكس بين 19 و21 من شهر تشرين الثاني ملتقى “خبز ونت” تحت عنوان “التقنية والمجتمع أي مستقبل نريد؟” في مساحة أنتورك في العاصمة اللبنانية بيروت، من أجل العمل على تعزيز الجهود المشتركة للنهوض بحقوق الإنسان في المساحات المترابطة رقمياً.

عمدت الحكومات العربية إلى تقليص هامش الحريات في الفضاء الرقمي، بعد تحول المنصات الرقمية في المنطقة العربية من منصات للتواصل، إلى أدوات تستغل المجتمع المدني، وحد هذا المجتمع من تحفيز الشعوب إلكترونيا لمناهضة قضية ما أو للمطالبة بحقوقه. كما لجأت بعض الأنظمة العربية إلى العديد من الممارسات التي تحد من حرية التعبير. لذلك كان لا بد من جمع رائدين ورائدات في مجالات الفن والصحافة والمحاماة والأعمال، وناشطين/ات وباحثين/ات وتقنيين/ات وغيرهم/ن من جميع أنحاء المنطقة، من أجل إنشاء أجندة جماعية تطلعية للنهوض بالحريات الرقمية في منطقتنا، ومناقشة مواضيع تتعلق باللغة والتوطين والسياسات في السياقات الصعبة وتقاطعات الفردانية والمجتمعات والثقافة وإنتاج المعرفة على الإنترنت.

جلسة “باقيين ونتمدد؟: معركة الإعلام الرقمي المُستقل للوصول للقراء” (حمزة شمص)

إنطلاقا من الغنى الجغرافي والمعرفي الذي إحتواه الملتقى، ومن التجربة التي خاضها كل فرد من المتحدثين في مختلف القضايا المتعلقة بالدفاع عن الحقوق والحريات، اتخذ الجانب القانوني حيزا من النقاش. وبعد عرض المشاكل في التشريعات، وكيفية تعامل الأنظمة مع المحتوى الالكتروني في بعض الدول العربية، لخص المحامي الأردني عمر العطعوط إلى أن “الكثير من قوانين جرائم المعلوماتية في بلده تتعارض مع الإتفاقيات الدولية، حيث بات يحق توقيف المتهم إحتياطيا، بعد رفع عدد سنوات التجريم الإلكتروني إلى ثلاث سنوات”. وهذا ما اعتبره المحامي المصري حسن الأزهري “واحد من الأزمات الأساسية حيث يتم التوقيف دون قرار يوضح السبب في البداية”.

أما في لبنان، وعلى الرغم من المساوئ الكثيرة التي تحيط بقوانين الجرائم الالكترونية، إلّا أن الأخير يسعى لمواكبة القوانين العالمية والإتفاقيات الدولية، وإلى توسيع هامش حرية التعبير بإعتبارها مقدسة. خصوصا أن “التعديل الأخير للقانون، والذي نشر في الجريدة الرسمية سيصبح نافذا في الشهر الأول من 2019 ، وينص القانون على منع التوقيف الاحتياطي للمتهم،” وفق ما أوضحته القاضية هانية الحلوة التي أكدت في مداخلتها على ضرورة التمييز بين النقد والإهانة.

وعلى المقلب الفلسطيني، تسنّ قوات الإحتلال قوانين لشرعنة القمع الذي تمارسه، وعلى الرغم من أن هذه القوانين لا تختلف بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعرب الدّاخل، إلّا أنّ تطبيقها يستهدف فئة معينة فقط. لذلك أكدت منظمة “حملة” أنه “رغم تعديل القانون المجحف الذي صدر في سنة 2017، الشبيه بالمواد التي تجرم التعبير وتفرض قيود على المواطن إلكترونيا، بصيغة أخف ظلما إلا أن هذا ليس ما يسعون إليه”.




في هذا السياق، وبعد أن أصبح الفضاء الرقمي منصّة جديدة للمشاركة المدنية، إزدادت وبشكل كبير حملات المناصرة التي تهدف إلى التطوير والمساءلة المستمرة. وقد عرض المتحدثون نماذج لحملات نظموها وكان لها أثر كبير في التغيير كحملة “منيش مسامح” وحملة مشروع البطاقة البيومترية التي تم بفضلها سحب مشروع القانون في تونس وحملات أخرى في مصر والعراق ولبنان.

يعود سبب نجاح تلك الحملات إلى إرتباطها بأرض الواقع من جهة، ومعرفة كيفية إدارة هذه الحملة إلكترونياّ من جهة أخرى، فتنوع المنصات بين تويتر وفيسبوك، يحتّم على المنظمين إختيار المنصة المناسبة للفئة المستهدفة، ومعرفة كم من الممكن أن تؤثر خوارزميات هذه الشركات على المحتوى الذي ينشر.
تقول الإعلامية يمنى فواز أن “لعبة الحملات الرقمية هي لعبة غش تتحكم بها نسبة الأموال المتوافرة. فإن منصات التواصل الإجتماعي التي يملكها رجال أعمال تابعين لأنظمة معينة، باتت تعطي اهتماما كبيراً للمحتوى المدفوع على حساب المحتوى المؤثر، مما يؤثر بدوره سلبا على وسائل الإعلام التي باتت تلجأ إلى حسابات وهمية لتمرير أفكارها”.




كان لمنصات الويكي في “خبز ونت” حصّة “أمّ الصّبي”. فكانت حاضرة في مختلف محاضرات الملتقى وورش عمل المؤتمر، بالاضافة إلى استعانة الفريق الاعلامي للمؤتمر بهذه المنصة لحفظ ما تمت مناقشته وإتاحتها فرصة الاطلاع على مضمون الجلسات للجميع. فالويكي الذي حصّل شعبية كبيرة في المنطقة العربية على الرغم من قلّة الناشرين فيه، هو وسيلة للتنظيم الذاتي بحيث ان التشابك عليه يسمح بالتعلم وتسجيل ونقل المعرفة التي يتلقاها على الموقع، كما تساعد برمجياته المختلفة على المحتوى التشاركي وحفظ المحتوى والنشر العربي.
يعد مجتمع الويكي في العالم العربي صغيراً نسبياً، حيث تضمّ ويكيبيديا العربية محرّرين اثنين لكل مليون متحدث باللغة العربية. ويرى المبرمج مجد الشهابي أنه “من المستحيل أن تبقى معرفتنا في أكبر فضاء مفتوح للمعرفة، مستندة فقط على ترجمة المحتوى من الانكليزية إلى العربية”. وبدوره يعتبر سمير الشرباتي من ويكي ميديا، “أن المشكلة في العالم العربي تتمثل بالثبات والمحتوى، فنحن لدينا بالفعل مشكلة في المحتوى لذلك يتم حذف جميع المقالات الضعيفة حيث أن الأشخاص الذين يراجعون المقالة يريدون الإحتفاظ بمستوى معين في ويكيبيديا”.

مما لا شك فيه أن التطور عامة وعلى منصات ويكي خاصة، يقوم بشكل فعال على الشخصيات الموجودة، لأن الحاجة هي الحافز الأكبر التي تدفع الشخص إلى القيام بعملية التطوير، وهذه الحاجة والتساؤلات عن مسميات بعض الأشياء هي التي دفعت بفريق ويكي جندر لتطوير قاموس مصطلحات الجندر وتحويله من ملف على إكسل إلى محتوى موجود على الويكي. لذلك من الممكن أن تنعكس الحاجة الملحة لانشاء محتوى مميز باللغة العربية بشكل ايجابي على التواجد العربي على منصات الويكي. فتقول فرح برقاوي من ويكي جندر ” نحن استعرنا منصة ويكيبديا ، ويكي جندر تسمح بالعمل الجماعي، الكل مشمول في عملية الكتابة والتحرير، هناك ممارسة للعمل التشاركي، واثناء العمل يحدث نقاش وهذا الامر مهم بحد ذاته” وتضيف ” نقاشاتنا واجتماعتنا موجودة على ويكي جندر، من يحب الاطلاع على النقاشات يمكنه زيارة الموقع”.


جلسة “هل ننشر على ويكيبيديا أو لا ننشر” (مرييل حنين)


إختتم المؤتمر بتقييم جماعي من الحضور، وفيه أكد المشاركين على تطوير فكرة “خبز ونت”، كي تصبح محطة سنوية يجتمع فيها أفراد ذوي خبرات وتجارب، وذلك بهدف تطوير المجتمع الرقمي العربي.