من غطّى الانتخابات في ميروبا؟
الأحد 6 أيّار 2018. إنّها السّاعة السّابعة صباحًا بتوقيت بيروت. فتحت القوى الأمنية أبواب مراكز الاقتراع وبدأت العملية الانتخابية التي طال انتظارها تسع سنوات عند اللبنانيين. في كسروان-جبيل تتنافس خمس لوائح على ثمانية مقاعد، يعود سبعة منها للموارنة وواحد للشيعة: لائحة “لبنان القوي” المدعومة من التيار الوطني الحرّ، لائحة “عنا القرار”، لائحة “التغيير الأكيد” المدعومة من حزب القوات اللبنانية، لائحة “التضامن الوطني” المدعومة من حزب الله، ولائحة “كلنا وطني” للمجتمع المدني.

في ميروبا المرتفعة نحو 1300 م عن سطح البحر، خاض “الميروبيّون” المعركة الانتخابية بكثير من الديمقراطية على عكس المرشّحين الّذين دافعوا بشراسة عن الصوت التفضيلي. عند السابعة إلّا ربع وصل العمّ يوسف ميلاد نخول، جاء يختم عقده الثامن بقانون قام على النّسبيّة ليفتتح عقدًا تاسعًا في 7 أيّار يقوم على الأمل بسنين أربع تعطي لبنان وجهًا آخر.
وقفتُ على الباب الخارجي لمدرسة ميروبا المتوسطة المختلطة منذ الساعة السادسة والنصف صباحًا أشاهد وأراقب الناس الّذين يقدمون على الادلاء بصوتهم بعد عقدٍ إلّا سنة واحدة. أنا الذي أنتخب للمرّة الأولى أستمع إلى رأي أهالي مسقط رأسي بالقانون الانتخابي الجديد، وبعضهم يبدي انزعاجه من تشكيل اللوائح والتحالفات وكأن “تأفأفهم” سيغيّر نتائج المعركة التي توقّع الكثيرون نتيجتها.
الأجواء هادئة تحت شجرة الزنزلخت حيث جلست على كرسي بلاستيكي وشاهدت بعين الطفل الفضولي حركة الناس الذين يدخلون إلى مركز الاقتراع.
هذا يقترب منك ليدلي في أذنك صوتك التفضيلي الذي قرّره عنك، وآخر يدنو ليصافحك ولكن القانون الجديد منعه في هذه الدورة أن يترك في راحة يدك لائحة مفبركة لأن اللوائح أعدّتها وزارة الداخلية مسبقًا ولكلّ ناخب لائحة يحصل عليها من رئيس القلم داخل قلم الاقتراع.
المشهد تبدّل منذ 2008 حين رافقت أهلي يوم الأحد 4 أيّار لينتخبوا بحسب قانون الستين. تراقصت في مخيّلتي مشاهد الناس التي تتصارع لتدخل وتنتخب لكنها هدأت بعد أن رأيت الناس في الباحة داخل المدرسة لا يتعدّى عددهم الأربعين شخصًا.

باحة المركز

العم يوسف ميلاد نخول
وصل صاحب شعار “الإنسان أوّلًا” نعمت افرام المرشح على لائحة “لبنان القوي” برفقة زوجته عند التاسعة والنصف صباحًا وخطف الأنظار باعثًا في المكان حيويّة وشبابًا وإنسانيةً ومشاريع واعدة لكسروان ولبنان. غمره الأهالي بمحبتهم ودعموا خطوته.
وفي سياق الحديث عن زيارات المرشحين لمركز الاقتراع، دخل النائب يوسف خليل بموكب مؤلف من ثلاث سيارات ولم يخطف كلّ الأنظار إليه. بعدها، حضرت السيدة كلودين عون روكز زوجة قائد الجيش السابق شامل روكز ولكن من دونه عند الساعة الواحدة والنصف من بعد الظهر، واستغرق وصول روكز أربع ساعات واستقبله الأهالي الداعمين للتيار الوطني الحر عند الخامسة والنصف بعد أن هلّلوا لروجيه عازار عند الخامسة.
وبقيت الساحة شبه فارغة بعد استقبال كل من المرشحين. فحتّى الساعة الواحدة من بعد الظهر، كانت نسبة الاقتراع في ميروبا لا تتجاوز الـ 10% بحسب إفادة أحد أعضاء الهيئة المشرفة على الانتخابات المتواجدين في المركز.

شامل روكز

نعمة جورج افرام

روجيه عازار
مللت قليلًا فقرّرت أن أمارس حقّي الشرعي. وبخطى واثقة دنوت من رجال الأمن، أظهرت بطاقة هويّتي، فتّشوني، ودخلت الساحة. حان وقت خوض المغامرة الأولى، حان وقت المحاسبة، حان وقت التغيير، ملأ “الأدرينالين” عروقي. الواجب يناديني. وحقّي لن أتنازل عنه. شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه بلدتي الصغيرة وبلدي الكبير الصغير. نظرت إلى اللّوح ووجدت رقم سجلي في القلم 1، فوقفت في صفّ طويل للرجال وانتظرتُ. طال انتظاري ولكنّني لم أضجر لأن حماسي لم ينقص. ولا أخفي مساعدتي لبعض الناخبين بتفسير القانون الجديد وكيفيّة التصويت الصحيح بالإشارات المناسبة التي اعتمدتها وزارة الداخليّة.
وطالت الأحاديث وتعرّفت أقارب والدي. وطال الانتظار. وبدأ التوتّر يعلو في الصفوف: تمّ توقيف عملية الاقتراع لمدّة نصف ساعة بسبب استراحة رؤساء الأقلام وتناولهم وجبة الغذاء ممّا أثار غضب الناخبين والناخبات المنتظرين دورهم. انزعجت إحدى النساء وخرجت من القلم معبرةً عن عدم رغبتها في الاقتراع بعد الانتظار، فهي امرأة في العقد السابع من عمرها تعبت من الوقوف وشعرت بضيق النفس بسبب الزحام في الداخل. لكنني نجحت في إقناعها بالخروج قليلًا وتناول بعض السكر وتنشّق بعض الهواء “الميروبي” النظيف. فابتسمت وعملت بنصيحتي. بعدها ارتجفت المدرسة على صراخ أحد الرجال الّذي راح يتحدث بصوت جهور وغاضب مع رجال الأمن والمندوبين ورئيس القلم لأنهم منعوه من مرافقة زوجة عمّه إلى العازل لأنها ضريرة وقال إنّه لا يثق بالمندوبين ليرافقوها إلى العازل ومساعدتها، موضحًا أن القانون يسمح له بالدخول معها لمساعدتها لأنها هي اختارته، وهذا مسموح بالقانون.
وفي هذا الإطار سألت أحد أعضاء الهيئة المشرفة على الانتخابات المتواجدين في المركز عمّا إذا كان القانون يسمح للرجل أن يساعد قريبته وكانت إجابتها: ” حسب درجة الإعاقة نسمح للفرد أن يصطحب شخص يختاره بنفسه ليساعده في الاقتراع، ولكن ليس أي مسنّ بحاجة لمساعدة، فمن يعاني من مرض صعب كالتوحّد أو هو ضرير، أو مشلول كاملًا، نساعده ولكنّه لا يمكن أن نفتح المجال للجميع”. وفي جميع الحالات، تدخّل المؤهل الأول وتدارك الأمور بذكاء وهدوء. وكنت لا أزال أنتظر لحظة يقول لي رجل الأمن “تفضّل صار دورك”. والملفت في المركز أنّ وزارة الداخلية هيّأت المكان وسهّلت عملية فهم آلية التصويت للناس وعلّقت على الجدران أوراقًا تشرح ذلك بالكلام وبالصور.

داخل مركز الاقتراع

داخل مركز الاقتراع

داخل مركز الاقتراع

العازل الجديد

المندوبون الثابتون

لوائح الشطب
“تفضّل إستاذ” وامتلأ صدري فرحًا وقوّةً وشعرت أنّ صوتي سيسمع للمرة الأولى فكان صوتي للإنسان ولبنان. ابتسمت وأعطيت رئيس القلم بطاقة الهوية: “ماريو نخول، رقم السجل 59، إسم الأب يوسف، إسم الأم نوال. ماريو نخول، رقم السجل 59، إسم الأب يوسف، إسم الأم نوال. أجل كرّر كلامه مرّتين كي يستطيع المندوبون الثابتون الجالسين في الصف أن يتأكدوا من أنني انتخبت. أعطاني ورقة عليها اللوائح الخمس واتّجهت صوب العازل الجديد الذي يحتفون به وهو عبارة عن منبر من “فلّين”، نفخة واحدة من صدري كفيلة أن توقعه أرضًا. المهم، انتخبت. ولكن لا تكتمل الفرحة من دون “تغطيس” اصبعك في الحبر البنفسجي التي لا يزال على ظفري حتى الساعة التي أكتب فيها موضوعي. على عكس الناخبين الآخرين الذين غمّسوا ابهامهم في الحبر، قرّرت تغميس الخنصر وخبّأته في جيبي… (لا تسألوا لماذا)
بعدها قلّ اهتمامي بمراقبة الناس وجلست في الساحة. مرّت اثنتا عشر ساعة على تواجدي في مركز الاقتراع ولم أرَ أي وسيلة إعلامية مرئية زارت المكان أو نقلت الأجواء الانتخابية في بلدتي إلّا محطّة أو تي في التي وصلت عند الساعة الخامسة والنصف ولم تطل. ورحت أكتب تغطية فريدة وأفكر كيف سأنقل خبرتي وتجربتي الأولى للقارئ الحبيب. في 6 أيار 2018 إنتخبتُ للبنان ولكن في 2 أيّار 2026 من ينتخبني؟