للمرّة الأولى: أنا رح …. انتخبت

Samaya-Jaber بقلم: سمايا جابر |

كان ياما كان، في هذا الزمان، فتاةٌ عشرينيّة حلمها حبر بفنجان، وابهامٌ ملوّنٌ تلتقط له  صورة أمام علم لبنان، ولحسن حظّها جرت الانتخابات بعد ستّة أيّام من انقضاء نيسان، وهي قد اتمّت الواحدة والعشرين في شهر أيلول، ووضعت يومها منشوراً لرئيس الجمهورية حصد ثلاث اعجاباتٍ وتعليقان. (كتبت الكلمة الاخيرة منصوبة بدلا من جرها، للحفاظ على القافية.)

بدأتُ بالتخطيط للعرس الانتخابي منذ إعلان موعده. فأنا وغدير، ابنة عمّتي التي تكبرني بعدّة اشهرٍ، و”المجلوقين” وفقاً لقول الجميع، أجرينا العديد من الاجتماعات الهاتفية المغلقة لنقرّر ما سنقوم به في هذا اليوم الموعود. قرّرنا الاستيقاظ عند الساعة الخامسة صباحا وإحضار أعلامٍ وشعاراتٍ وأساور وكنزاتٍ وجوارب تزينها عبارة “أنا رح انتخب”. وبالرغم من استهزاء الكثيرين بنا، وترديد النّشرة اللبنانية على مسامعنا باستمرار “شو رح تستفيدو، شو رح يعملولكن، شو بدكن بالانتخابات، يلا لأنها أول مرة بعدين بتبطلو” إلّا أن حماسنا لم ينقص ذرّة، بل قررنا إحضار قالب حلوى لتقطيعه عند خروجنا من قلم الاقتراع.

  بعد المقابلات التي أجريتها مع بعض المرشحين، والجلسات والتدريبات التي حضرتها حول ماهية القانون النسبي وكيفية سير العملية الانتخابية، أصبحت على استعدادٍ كاملٍ لخوض التجربة. حزمت حقيبتي يوم السبت في الخامس من أيّار، وانطلقت إلى قريتي “يانوح”، في قضاء صور، جنوب لبنان. كنت سعيدةً جدا، وأسناني الأربعة والعشرون اكتسبوا سمرةً تحلم بها نجمات هوليوود من كثرة تعرضهم للشمس، فأنا وللمرّة الأولى سأدلي بصوتي وسيكون لي قرارٌ في التغيير وفي إيصال الأجدر.

في اليوم التالي، يوم الأحد في السادس من أيّار استيقظنا أنا وغدير على عجل، فالساعة أصبحت الثامنة ونحن لا نزال في الفراش، ها قد أضعنا ساعةً من اليوم.بعد الاستيقاظ والتحضّر وصلنا إلى مركز الاقتراع، ووضعنا أرجلنا في الدّاخل باعتزاز، فبعد طردنا من هذا المكان خلال الانتخابات البلدية لأن لا صوت لنا، ها هم اليوم يهرعون إلينا كالنّمل المتراكم على قطعة حلوى، أحاطوا بنا من جهاتنا الأربع، يرددون علينا سمفونيّاتٍ انتخابيّة “بتنتخبي هيدا، لأ بتنتخبي هيدا، صوتك التفضيلي لمين؟ اي حطّي هيدا مش هيدا”. وإذا كنتم تطمحون لتكونوا محطّ اهتمام الجميع، ما عليكم إلّا أن تأخّروا دخولكم إلى قلم الإقتراع لأنّ بعد خروجكم لن يتعرّف عليكم أحد.

أكملنا تقدّمنا، الهويّة في اليد اليمنى والهاتف في اليد اليسرى، وتوتّرٌ شديدٌ يسيطرٌ عليّ وكأنّني في امتحان، دخلت طابور الانتظار وفي رأسي تساؤلاتٍ غبيّة، في أيّ يد أبصم، هل أعطيه هويتي وأذهب أم أبقى منتظرة! أآخذ القلم منه أم هناك واحدٌ خلف العازل، ماذا أفعل إذا لم يكن إسمي الذي شيّكته آلاف المرّات موجودا على لوائح الشّطب؟ هل أبكي أم أخرج بروح رياضيّة كأنّني لم أهتم! لم أعد أستطيع تمالك فرحتي وتوتري.

وأخيراً حان دوري ودخلت قلم الإقتراع، سلّمت هويّتي لرئيس القلم وعلا إسمي في أرجاء القاعة، العيون كلّها شاخصة نحوي وأنا أتابع ورقة الاقتراع بكلّ حواسي. أخذتها ودخلت خلف العازل وأحسست بمسؤوليّة كبيرة، ها أنا الآن أبني وطن، وسأكون مسؤولة عن صوتي أمام نفسي وأمام المجتمع، لذلك منحته لمن يستحق أن يمثّلني وسيعمل من أجل تأمين حقوقي، وقفت قليلا كي يأخذوا لي صورةً جميلةً من الخارج، وخرجت راضية بخياراتي، وضعت الورقة داخل الصّندوق وأسرعت لغرس إبهامي في الحبر المستورد، الذي خالف توقعاتي، فكان على شكل اسفنجة في قاع العلبة، وليس حبرا سائلا كما كنت أظنّ. لوّنت إبهامي الأيسر وخرجت كالمنتصر في ساحة المعركة تعلو وجهي بسمةٌ عريضة وإصبعي مرفوعٌ عالياً ليراه كلُّ من يمرّ بجانبي، وفي داخلي فخرٌ لا بوصف بنفسي.

رغم كل التجاذبات السياسية والمشاحنات الكلامية والشعارات الاستعراضية والتحريضات الطائفية التي سبقت الاستحقاق الانتخابي، إلا أن فرحتي لم تتبدّد أو تنقص يوماً. وها أنا الآن أعود أدراجي إلى ساحة القرية، أتمايل خطوةً تلو الأخرى على وقع الأناشيد الانتخابية. أراقب الحشود الذين تكاتفوا جميعا على اختلاف انتماءاتهم، لإتمام حلقات الدّبكة، وليحتفلوا بانتصارهم الديمقراطي وأقلام الاقتراع لم تغلق بعد.

ها هي الصّورة اكتملت بمشهدها الأخير، وكلّ انتخابات ولبنان بخير.