الكاتب: بطرس الدمشقي
عمل لكسب الخبز
لا تكاد تمضي عدة ساعات من الليل تغمض فيها سمر* عيونها حتى يبزغ فجر جديد يحمل معه سيارة العمال التي تنتظر سمر، ابنة الأربعة عشر ربيعا، أمام خيمة أسرتها لتنطلق مع أقرانها من بنات المخيم باتجاه العمل في الحقول الزراعية لأكثر من 8 ساعات يومية لا تنتهي إلا بعد أن تتهالك أجساد الطفلات العاملات تحت أشعة الشمس الحارقة، يجبرهن على ذلك الجوع الذي خيم على أغلب العائلات النازحة قسراً من شتّى المحافظات السورية.
تنحدر سمر من محافظة حماة، واضطرت للفرار مع أسرتها بسبب القصف من القوات الحكومية على بلدتها في كفرزيتا واشتداد النزاع بين الأطراف المتنازعة في صيف عام 2015 لتلجأ سمر حينها بعمر العشر سنوات إلى مخيمات الكرامة بالقرب من بلدة سرمدا شمال إدلب.
تقول والدة سمر: “بعد أن توقف عمل زوجي بسبب فيروس كورونا، اضطررت للعمل أنا وبناتي اللواتي لم يتجاوزن عمر الـ 15 ضمن ورشة عمال زراعيين مؤلفة من أكثر من 15 فتاة بعمر سمر أو أصغر برفقة أمهاتهن من المقيمات في المخيم بأجر يومي لا يتعدى الـ 800 ليرة سورية (30 سنت أمريكي) للنجاة من الجوع الذي حل بعوائلنا إثر انتشار فيروس كورونا وما رافقه من تبعات خطيرة على عائلتي في ظل غياب المساعدات الإغاثية والمالية والصحية حتى عن المخيم. ومن هنا ربما نفضل الموت بالفيروس على الموت جوعا.
من جهته، يقول سالم العواد القاطن في مخيمات دير حسان: ”أخرج منذ الصباح باتجاه مكبات القمامة البعيدة عن المخيم الذي أسكنه كي لا يراني أطفالي في ذلك العمل المهين للكرامة الإنسانية، إلا أنه بعد انتشار فيروس كورونا، خسرت عملي الذي كنت أتقاضى منه أجرا يوميا لأجد نفسي مرغما على البحث في مكبات القمامة لتأمين لقمة العيش لأطفالي في حين أن المساعدات الإغاثية والمالية بعيدة كل البعد عني وعن أسرتي، فربما أنا غير محتاج في نظر من يدعون الإنسانية”.
يواجه سكان المخيمات في شمال غرب سوريا تحديا صعبا من أجل الاستمرار في الحياة خلال فترة تواجدهم بعيدا عن بلداتهم التي فروا منها بالتزامن مع انتشار فيروس كوفيد-19، حيث ترك الكثير من النازحين أعمالهم اليومية التي توقفت جراء انتشار الفيروس وتبعاته من إغلاق المعابر وانخفاض التمويل العالمي وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، مما أسهم بزيادة مستوى الفقر والجوع بأواسط سكان المخيمات في ظل تدني وصول المساعدات الإغاثية والصحية المقدمة للنازحين بالرغم من قوافل المساعدات الأممية التي وصلت إلى الشمال السوري تباعا منذ مطلع نيسان من العام الجاري.
نزوح متتابع وعجز دولي
بحسب دراسة أجراها فريق منسقي الاستجابة في سوريا بتاريخ 14\7\2020 ، فإن عدد المخيمات الكلي في شمال غرب سوريا وصل إلى 1277 مخيم تحوي أكثر من مليون نسمة يقطن 183811 نسمة منهم ضمن 366 مخيم عشوائي .وتنقسم التركيبة السكانية الكلية في المخيمات إلى 307329 ذكور و 326792 إناث و 407822 طفل جميعهم أجبرتهم الحرب على الفرار من بلداتهم ومدنهم باتجاه الحدود السورية التركية ليستقر بهم الحال ضمن مخيمات منها المنظم ومنها العشوائي. إلا أن تلك المخيمات بحسب ذات الفريق تعاني من نسبة عجز كبيرة في الاستجابة الإنسانية.
وتتمثل نسبة العجز في 49% بقطاع الأمن الغذائي وسبل العيش ، 66% بقطاع المياه والإصحاح ، 79% بقطاع الصحة والتغذية ، 54% بقطاع المواد الغير غذائية ، 54% في قطاع المأوى (تأمين الخيم للمخيّمات العشوائية)، قطاع التعليم 74% وقطاع الحماية 70%.
وبحسب تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) الصادر في 13 من تموز الحالي، فإن جائحة فيروس “كورونا” اجتمعت مع آثار النزوح المتكرر والمخاطر الأمنية المستمرة وانعدام الاستقرار الذي يمثله انخفاض قيمة العملة المحلية، ليزيد بذلك حجم معاناة سكان المنطقة البالغ عددهم 4.1 مليون شخص، 2.8 مليون منهم يعتمدون على المساعدات الإغاثية في معيشتهم.
وتقول أم سمر إنها تسكن وعائلتها في مخيم بالقرب من بلدة سرمدا منذ مطلع العام 2015 ضمن خيمة لا تقي حر الصيف أو برد الشتاء وسط غياب تام للمساعدات الإنسانية الصحية منها والغذائية، لاسيما في ظل انتشار فيروس كورونا. حيث تعيش العائلة كغيرها من العائلات تحت خط الفقر والجوع وانعدام الأمن الصحي.
وتنوه والدة سمر إلى أن حاجتهم اليومية من الخبز تفوق الـ 2500 ليرة سورية، فيما يصل سعر كيلوغرام السكر إلى 1300 ليرة، في حين أن أجرها وأجر سمر يوميا لا يتعدى 1500 ليرة سورية. فهل تشتري بها الخبز أم أساسيات الطعام؟ كما أنها قد تحتاج إلى شراء الدواء وهنا ماذا تفعل الـ 1500 ليرة أمام تلك المتطلبات بحسب والدة سمر التي تقول ”ربما في قابل الأيام سنرضى بالعمل بأجر 500 ليرة إن استمر الوضع على هذا الحال، فالموت بالفيروس أرحم من الموت جوعا في ظل تعامي المنظمات عن حالنا.“
من جانبه، يقول “راشد العلي”، مدير أحد مخيمات الكرامة شمال سوريا، بأن عدد الأسر في المخيم يفوق الـ 700 عائلة، 90% منهم تحت خط الفقر. وقد زاد انتشار فيروس كورونا نسبة الفقر بين قاطني المخيم بعد توقف أعمال النازحين اليومية التي يتقاضون منها الأجر. فمنهم من كان يعمل بمعامل الزيتون والمخللات ومنهم من كان يعمل عتالا على المعابر التي تربط إدلب بمناطق النظام السوري من جهة والحكومة التركية من جهة أخرى. كما كانت هناك العديد من الأعمال التي أمنت للنازحين قوت يومهم، إلا أن انتشار فيروس كورونا أدى لإغلاق المعابر بين إدلب ومناطق النفوذ المختلفة في سوريا، وبالتالي توقفت جميع المهن التي تعتمد على الاستيراد والتصدير، مما أفضى لتسريح مئات العمال من النازحين و أفضى لازدياد نسبة الفقر والبطالة والجوع.
ويضيف أن المساعدات الإغاثية والصحية والمادية تكاد تكون معدومة، مما دفع النازحين للعمل ضمن أعمال غير صحية مثل البحث في مكبات القمامة والعمل تحت أشعة الشمس لساعات طوال من أجل تأمين لقمة الخبز.
ويتابع بقوله بأن الاهتمام الصحي بالمخيمات يكاد يكون معدوم. ”لم نلحظ تخصيص فرق طبية تزور المخيمات أو فرق تعقيم أو حتى دعم لوجستي لإنشاء دورات مياه ومصارف للمياه المستعملة التي تملأ شوارع المخيمات ويكون لها الأطفال أكثر عرضة، مما يعزز فرص انتشار الأوبئة والأمراض بين النازحين”.
فساد بآلية الوصول
وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال السوري قد انتقد آلية توزيع المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، مشيرا إلى أنه تلقى العديد من الشكاوى حول حرمان الآلاف من المدنيين من المساعدات الإنسانية ضمن العديد من المدن والقرى والمخيمات الموجودة في شمال غرب سوريا.
ونوه الفريق في بيان له بتاريخ 8\5\2020 إلى أن هناك غياباً كاملاً في بعض المناطق للمساعدات نتيجة الخلل الكبير في آلية عمل عشرات المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، مضيفا أنه سجل في مقابل ذلك “عدم تقدير العديد من المنظمات والهيئات الإنسانية العاملة في المنطقة لحساسية الأوضاع الإنسانية الحالية التي تمر بها محافظة إدلب، والتي تشهد ازدياداً في الحاجة لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل أكبر من الأوقات السابقة”.
وأكد البيان أنه سجل “غياب رؤية واضحة لدى العديد من الجهات للتخفيف من حدة هذه الأزمة التي تزداد يوما بعد يوم وخاصة في ظل ازدياد مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد في المنطقة”.
ولفت البيان إلى “استغلال بعض الجهات لحاجة الفئات المعوزة والحصول على عمليات تمويل باسمها يقدمها عدد من المانحين في غياب أي رقابة على تلك الأعمال، مما يطرح التساؤل عن إمكانية وجود تواطئ غير معلن”.
وذكر الفريق أنه قد سجل “تأجيج الاحتقان لدى عدد كبير من الفئات المعوزة بسبب سوء توزيع المساعدات الإنسانية وعدم استفادتها منها، خاصة أن نسبة المساعدات الإنسانية خلال الأسبوع الثاني من شهر رمضان لم تتجاوز 28%”.
وأضاف البيان أن هناك “فئات غير معوزة استفادت من هذه المساعدات الإنسانية المخصصة للفئات الأشد احتياجا، في مخالفة صريحة للمعايير الإنسانية الصادرة في هذا الشأن”.
يأتي هذا في حين نشر ذات الفريق في 9\5\2020 صوراً قال بأنها لامرأة في الشمال السوري تبحث عن الطعام في مكبات القمامة، مما يؤكد أن الفساد في عمليات التوزيع دفع الكثير من السوريين إلى البحث عن الطعام وسط النفايات للهرب من الموت.
يقول ”رائد الشمالي “العامل في وحدة المجالس المحلية شمال سوريا: ”إن عملنا في توزيع المساعدات يقتصر على تزويد المنظمات الإنسانية العاملة في شمال سوريا بالأسماء فقط، في حين أننا غير مطلعون على كميات المساعدات التي تتسلمها المنظمات ودائما ما نتفاجأ بأن المساعدات الممنوحة لبلدة ما لا تغطي ثلث المحتاجين. أما في مخيمات اللجوء، فغير مسموح لنا بعمل إحصائيات، إذ أن المنظمات تنتدب ممثلين لها يقدرون العائلات التي تكون بحاجة لمساعدة “.
ويضيف أن التوزيع بالمخيمات يكون دائما أسوأ من التوزيع في البلدات والقرى حيث يعتبر جميع من يسكن المخيمات بحاجة ولا يجب تغطية قسم وترك الأخر، إلا أن المنظمات دائماً ما تضع حجج الاستحقاق والمعايير في حين أن النازحين في المخيمات والذين يسكنون خيماً بالية ويعانون من الحر والبرد جميعهم مستحقون، إضافة لكونهم عاطلين عن العمل وعاجزين عن تأمين مدخول يومي.
ويتابع أن كمية المساعدات التي دخلت إلى سوريا منذ مطلع آذار حتى شهر تموز كفيلة بتغطية جميع العائلات في الشمال السوري المقيمة منها والنازحة ودائما ما تقع مشاكل تؤدي لإطلاق نار ووقوع ضحايا أثناء عمليات التوزيع بسبب توجيه المساعدات لفئة من السكان وإهمال أخرى. وغالبا ما تتلاعب المنظمات في الإحصائيات بحسب وجود مقربين من أبناء بلدة ما بموقع قرار المنظمات، مما يفضي إلى تخصيص الكم الأكبر من المساعدات لأبناء تلك البلدات بالتزامن مع حرمان النازحين، وهذا ما نشهده حقيقة في البلدات المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين والتي تكون فيها المساعدات أكثر من غيرها بسبب تواجد تابعين كثر للإخوان المسلمين.
شركاء في العمل وأول المحتاجين
وكانت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام قد أنشأت ما يسمى بمكتب شؤون المنظمات في الشمال السوري بهدف الإشراف على عمليات التوزيع وتوجيهها وفق رؤية تحرير الشام. وبظل ذلك المكتب، عمدت حكومة الإنقاذ إلى إغلاق مكتب الهلال الأحمر السوري في إدلب على الرغم من تواجده في مناطق المعارضة منذ العام 2015، وذلك بتهمة التلاعب بالمساعدات واكتشاف تلك الحكومة لملف فساد كبير في بنية المكتب الذي كان يتخذ من مدينة إدلب مركزا له.
وجاء في نص البيان الذي أعقب إغلاق المكتب بتاريخ 14 آذار 2020 الصادر عن الجهاز القضائي بحكومة الإنقاذ تحريك دعوى الحق العام بحق كل من له علاقة بتهم متعلقة بالفساد من أعضاء المكتب و إصدار مذكرات دعوى ومذكرات توقيف بحق كل من يلزم من العاملين، إضافة إلى تعليق عمل موظفي الهلال الأحمر السوري في إدلب لحين انتهاء إجراءات التحقيق والمحاكمة القضائية وتسليم الأملاك العائدة لفرع الهلال إلى لجنة إشراف مشكّلة من مديرية الصحة في إدلب ونقابة الأطباء والدفاع المدني لمتابعة سير العمل وعدم توقف خدمته للشأن العام وحفاظاً على هذه الموجودات لحين صدور القرار القضائي المبرم.
وشاركت حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام بعمليات توزيع المساعدات على مخيمات اللاجئين شمال غرب سوريا بشكل علني لاسيما بظل دخول قوافل المساعدات في ربيع 2020 والذي تزامن مع انتشار فيروس كورونا.
إذ عملت حكومة الإنقاذ على الإشراف المباشر على عمليات التوزيع في مخيمات سرمدا والدانا عن طريق وضع ملصقات تحمل إسم حكومة الإنقاذ إلى جانب شعار المنظمات العاملة في الشمال السوري.
تعمل حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام على مصادرة 20% من حجم المساعدات التي تدخلها المنظمات الإغاثية إلى شمال غرب سوريا وبشكل علني، حيث يرافق عنصرين أمنيين لتحرير الشام عمليات التوزيع على المواطنين بحجة حفظ الأمن ومراقبة عملية التوزيع.
إذ يكون وجود العناصر حاضر بقوة في عمق مناطق الشمال السوري كمناطق أريحا وجسر الشغور حيث إن تلك المناطق بعيدة عن الرقابة الدولية التي ترافق القوافل الإغاثية والتي عادة ما تتواجد في المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية.
يقول رامز العلي أحد أعضاء المجلس المحلي في منطقة أريحا، إن عملية توزيع المساعدات الإغاثية في المنطقة لا تتم إلا بموافقة المسؤولين الأمنيين في تحرير الشام المنحدرين من قرى المنطقة.
إذ تعمل المجالس على إعلام المسؤولين الأمنيين (الذين لم يتخطوا غالبا المرحلة الابتدائية) بعدد الأسماء المستحقة بالبلدة وطبيعة المستحقات، ليعمل الأمنيون على حذف عدد من الأسماء وتحويل مستحقاتهم لصالح تحرير الشام بالشكل العام ولصالح الأمنيين بالشكل الخاص. إذ يفرض الأمنيون في تحرير الشام نسبة مئوية على كل بلدة من مستحقاتها الإغاثية تذهب لصالح الشخص الأمني ومن يرافقه من عناصر.
منير المحمود أحد النازحين قسريا إلى منطقة جسر الشغور يقول: ”منذ ما يقارب الثلاث سنوات نزحت من محافظة حمص إلى منطقة جسر الشغور مع أسرتي البالغ عددها 8 أفراد. لا أكاد أقوى على العمل بسبب اقتراب سني من السبعين عاماً. جميع أفراد أسرتي إناث ولا يوجد لديهن عمل نؤمن فيه قوت يومنا إلا بذهاب البنات أحيانا إلى العمل في الأراضي الزراعية.
ويتابع، “لأيام عديدة خلال وجودنا في منطقة جسر الشغور، كنا نمضي اليوم دون طعام لاسيما أن سعر علبة الزيت اللازمة للطبخ يصل إلى 2000 ليرة سورية، في حين أن سعر كيلو من الأرز يتعدى 1500 ليرة. أما الخبز، إذا استطعنا شراءه فإننا نشتريه بمعدل 40% من الاحتياج اليومي”.
وعن واقع تسلمه للإغاثة يؤكد أن المجلس المحلي في المنطقة كل شهر يأتي ويأخذ بيانات الأسرة والأفراد بدون أي نتيجة تذكر، و “خلال 3 سنوات لم تصلنا إلا 4 سلال غذائية تحوي القليل من الزيت والسكر والبرغل، في حين أن أبناء البلدة المقربين من أشخاص نافذين يستلمون مخصصات إغاثية كل شهر من المنظمات العاملة في المنطقة. كما تصل هؤلاء المتنفذين مساعدات إغاثية أخرى من الجهات التي تعمل معها في مجال العسكرة “.
أصدرت هيئة تحرير الشام بلاغ في تاريخ 28\6\2020 يمنع تشكيل الفرق التطوعية والمنظمات إلا بالعودة إليها، لتحتكر بذلك الهيئة العمل المدني في المؤسسات التابعة لها.
وقال بيان صادر عما يسمى بـ «إدارة المناطق المحررة فرع سرمدا»: إنه “بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، يمنع منعاً باتاً إحداث أي جسم أو كيان مدني أو عسكري في منطقة سرمدا، كما يمنع فتح أي مقرّات عسكريّة أو إداريّة”.
وفرضت الهيئة عبر القرار الأخير على جميع الفعاليّات التي لديها نشاطات في محافظة إدلب الحصول على موافقة جديدة لمتابعة عملها في المنطقة.
أنشَئت تحرير الشام في تموز 2017 ما يعرف بـ”مكتب شؤون المنظمات” في الشمال السوري بهدف تنظيم العمل الإنساني في المناطق المحررة بحسب زعمها. إلا أن الهدف الرئيسي من المكتب هو التفرد في القطاع الإنساني والإشراف على عمل المنظمات الإنسانية وكل ما يدخل للمناطق المحررة من مساعدات وما ينفذ من مشاريع، حيث فرضت من خلال المكتب قيوداً كبيرة على عمل المنظمات الإنسانية التي أجبرت على الرضوخ لمطالب المكتب بهدف الاستمرار في تقديم الخدمات للمدنيين.
وكانت العديد من المنظمات قد واجهت عمليات تضييق كبيرة ومصادرة لمكاتبها ومستودعات خاصة بها بعد رفضها للشروط التي طرحها “مكتب شؤون المنظمات”، كما عملت تحرير الشام على إجبار موظفين وإداريين على العمل ضمن هذه المنظمات.
يقول “شادي الأسود”، أحد العاملين في المنظمات الإنسانية شمال سوريا، أن مكتب شؤون المنظمات الذي أطلقته هيئة تحرير الشام في صيف العام 2017 تحول إسمه منذ مطلع العام 2019 إلى إدارة المهجرين التي أصبحت تتدخل بكل صغيرة وكبيرة في شؤون المنظمة التي أعمل بها من الاطلاع الشهري على رواتب الموظفين إلى جداول التوزيع وحجز نسبة مئوية للإدارة من كل عملية توزيع، إضافة إلى تعيين بعض المحسوبين من تحرير الشام في المنظمة. ليتحول هكذا عملنا إلى نظام مخيف في ظل وجود أشخاص يعتبرون أن أعمالهم ومشورتهم هي الأصح ويجب أن تسير المنظمة حسب رؤيتهم.
وتطال إدارة المهجرين المدعومة من قبل تحرر الشام تُهم بالفساد والمحسوبية والمحاباة على الصالح العام لصالح تحرير الشام، لاسيما فيما يخص الجانب الإغاثي، مما أجبر المهجرين قسريا من المحافظات على الخروج في مظاهرات ضد تلك الإدارة بعد مصادرة إدارة المهجرين لمساعدات من مخيمات النازحين وتوجيهها باتجاه مستودعات تحرير الشام.
وتفرض إدارة المهجرين على مدراء المخيمات شمال غرب سوريا اقتطاع نسبة من المساعدات الموجهة للمخيمات وتخصيصها لتحرير الشام بعد عملية الاقتطاع والمصادرة الأولية من المنسوب العام للمنظمة ككل.
مساعدة منقوصة وغياب للرقابة
وجهت الأمم المتحدة عشرات القوافل الإغاثية منذ مطلع أذار باتجاه شمال غرب سوريا بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا بالعالم. وعلى الرغم من الدفع الكبير من المنظمة الدولية بالمساعدات إلى شمال غرب سوريا، إلا أن أكثر من 50% من النازحين والسكان لم يستفيدوا من برنامج المساعدات، بل ازدادت نسبة الفقر والبطالة مع العمليات العسكرية التي شنتها الحكومة السورية باتجاه أرياف إدلب وحماة وحلب منذ أيار 2019. إضافة إلى توقيع اتفاق التهدئة بين الدول الضامنة (تركيا ـ روسيا) في آذار من العام 2020 والذي تسبب بموجة نزوح قسرية لأكثر من مليون نسمة باتجاه الشريط الحدودي بحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة
وأوضحت المنظومة الدولية أن عدد النازحين في المنطقة تجاوز 900 ألف شخص منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، 60% منهم أطفال وبعضهم وافتهم المنية بسبب البرد القارس.
وبحسب المصادر، فإن النساء والأطفال يشكلون 81% من عدد النازحين الجدد، وهم الأكثر تضررا ومعاناة. ومن بين النازحين الـ800 ألف، هناك 550 ألف شخص فروا إلى مناطق داخل إدلب مثل الدانا ومعرة مصرين، في حين فر أكثر من 250 ألف شخص إلى مناطق شمالي حلب، من بينها عفرين واعزاز وجندريس والباب.
من جهته، قدر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن نحو 82 ألف شخص ينامون في العراء.
وأفاد المكتب بأن “هناك حاجة ماسة للملاذات في وقت يتكدس فيه الملايين في مناطق صغيرة غير معدة للتعامل مع هذا العدد الكبير من الناس، خصوصا في الشتاء البارد”.
ووصف الوضع في إدلب بأنه “من بين أسوأ” الأزمات التي مرت على مدى الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنّى في 11\7\2020 قراراً لتمديد آليّة إدخال المساعدات الإنسانيّة عبر الحدود إلى سوريا، لكن مع تقليص جديد للآليّة فرضته روسيا على الدول الغربيّة.
وبعد أسبوع من الانقسامات وإجراء عملية تصويت هي السابعة، تبنّى المجلس بغالبيّة 12 صوتاً من أصل 15، مقترحاً ألمانيّاً بلجيكيّاً ينصّ على إبقاء معبر باب الهوى على الحدود التركيّة في شمال غرب سوريا مفتوحاً لمدّة عام، بدلاً من نقطتَي عبور كانتا مستخدمتَين في السابق.
ويشمل هذا الحل مقترحا عبرت عنه روسيا قبل عدة أسابيع لإلغاء نقطة باب السلام التي تؤدي إلى منطقة حلب شمال سوريا. ولإنقاذ جزء من الآلية، أضطر الغربيون إلى التراجع عن “الخط الأحمر” الذي وضعوه سابقا والمتعلق بإبقاء نقطتَي عبور. وقد فرضت روسيا بذلك رغبتها على الغربيين في هذا الملف، وتسمح آلية الأمم المتحدة بإيصال المساعدات للسوريين بدون موافقة دمشق.
وتعتبر روسيا أن التفويض ينتهك السيادة السورية، وأشارت إلى أن 85 في المئة من المساعدات تمر عبر باب الهوى وبالتالي يمكن إغلاق معبر باب السلام وزيادة المساعدات الخاضعة لإشراف دمشق والمخصصة لمحافظة حلب.
الانقسام المذكور داخل مجلس الأمن والذي استمر حوالي أسبوع والذي انتهى بتفويض إدخال المساعدات من معبر واحد بدل معبرين، أدى بمجمله إلى انخفاض قيمة المساعدات وحجمها المقدمة من الأمم المتحدة إلى الشمال السوري الذي يقدر عدد السكان فيه بحوالي 3 مليون نسمة بحسب إحصائيات المنظمات الإنسانية
وكان برنامج الأغذية العالمي (WFP) قد خفض من محتوى السلة الغذائية الذي يقدمه للنازحين شمال غرب سوريا بمقدار 1855 سعرة حرارية للسلة الواحدة في 13 آذار من العام 2020، ليتبعه بتخفيض آخر في 28 أيار 2020، حيث انخفضت قيمة السعرات الحرارية للسلة بمقدار 205 سعرة حرارية.
وبحسب البيان، فقد شمل التخفيض تقليص المادة الأساسية إلى النصف وهي مادة الأرز وإلغاء مادة أخرى (الفاصولياء البيضاء) والحفاظ على نسبة عبوات الزيت المخفضة سابقاً.
وفي أحد البيانات، قال منسقو الاستجابة، تعليقا على الإجراءات المتبعة من برنامج الأغذية للأمم المتحدة، إن التخفيض المستمر من كمية السلة الغذائية لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية في المنطقة، وبالتالي هناك عشوائية في اختيار المواد المخفضة، في حين أن الاستمرار في عمليات التخفيض في المساعدات الإنسانية قد يحوّل المنطقة إلى منطقة مجاعة لا يمكن السيطرة عليها.
وقالت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة في 26 حزيران بأن سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9٫3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي، في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا بالبلاد.
وقال برنامج الأغذية العالمي بإفادة في جنيف بأن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1٫4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة.
وأفادت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا “أكجمال ماجتيموفا” في إفادة صحفية منفصلة بأنه وبعد تسع سنوات من الصراع المسلح، يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم، بينما تشهد الاحتياجات الإنسانية تزايدا مستمرا.
وذكرت إليزابيث بايرز المتحدثة باسم البرنامج أن أسعار السلع الغذائية قد ارتفعت بأكثر من 200 بالمئة في أقل من عام بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاورة وإجراءات العزل العام التي فرضتها سوريا لاحتواء مرض كوفيد-19.
إثر امتداد سنوات الحرب في سوريا وما يرافقها من ازدياد بنسبة الفقر لا سيما في شمال غرب سوريا حيث التجمع الأعظم لمخيمات المهجرين قسريا على البنية المعاشية والاقتصادية للسوريين، فإن طلب الطعام بطرق بعيدة عن مضمون الكرامة الإنسانية التي تضمنها المنظمات الدولية صار أمرا شائعاً.
ويقول “علي الأدلبي”، الناشط الحقوقي في شمال غرب سوريا، بأن أكثر من 50% من أطفال الشمال السوري هم بدون تعليم اليوم بسبب بحثهم بشكل مستمر عن الطعام من خلال القيام بأعمال مجهدة ومضنية تنتهي بأجر يومي لا يتعدى 1 دولار، مما يرفع نسبة عمالة الأطفال في البلاد بشكل يتنافى مع المواثيق الدولية.
في حين يعمل قسم آخر من الأطفال بالبحث بحاويات القمامة لإيجاد ما يمكن أكله أو بيعه وشراء غذاء بثمنه لإعالة الأسر الواقعة تحت خط الفقر بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ويضيف قائلا بأن أكثر من 80% من السوريين اليوم لا يقوون على شراء علبة زيت لإعداد الطعام والتي يبلغ ثمنها نصف دولار، في حين أن أكثر من تلك النسبة لا تستطيع تأمين الطحين أو البرغل بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية وما رافقه من ارتفاع فاحش لأسعار المواد من جهة وبسبب ازدياد البطالة وفرص العمل من جهة أخرى وما رافق فيروس كورونا من تبعات أتت على الوضع الاقتصادي العام شمال غرب سوريا التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
وأضاف: “يجب على الأمم المتحدة إيجاد آلية للدخول إلى إدلب وممارسة رقابة جدية على عمل المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال التي يكون فيها التوظيف بناء على المعرفة والمحسوبيات فيما يتم تعيين المراقبين في المنظمات الإغاثية بالوساطة كي لا يكون تقرير المراقب سلبي ضد المنظمات وعملها”.
إن غياب العدالة في توزيع المساعدات وإيصالها للنازحين والسكان شمال غرب سوريا يتطلب جهداً ومصداقية من قبل المنظمات الدولية كي لا يصل حال المجتمع إلى جوع حقيقي يحيط بأكثر من 90% من سكان شمال غرب سوريا، لا سيما في ظل انتشار كوفيد-19.
وبحسب رأي الادلبي، فإن استمرار إرسال المساعدات الدولية بدون رقابة على المنظمات لإيصالها للمستحقين يفقد السوريين الثقة بمؤسسات المجتمع الدولية، مما يجرها إلى التصنيف بنظر السوريين بالشراكة في تجويعهم وقتلهم بسلاح الفساد المتفشي بين المنظمات والجمعيات التي بنيت أكثرها على المصالح الشخصية.
* تم تغيير الأسماء لحماية هويات المصادر
________________________________________________________________________________
منسقوا الاستجابة
تشكل “منسقوا الاستجابة” عام 2015، إذ يضم مجموعة من المتطوعين السوريين الذين يعملون على مساعدة وإحصاء عدد المهجرين والنازحين وسط وشمالي سوريا وتوجيه المنظمات الإنسانية لمساعدتهم وفق ما يعرف “الفريق” عن نفسه.
____
دراسة
____
بيان
____
حكومة الإنقاذ
تم الإعلان عن تشكيل “حكومة الإنقاذ” في الشمال السوري في 2 تشرين الثاني 2017.
وتشكلت الحكومة من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ حينها، إضافة إلى وزارات الداخلية والعدل والأوقاف والتعليم العالي والتربية والتعليم والصحة والزراعة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والمهجرين والإسكان والإعمار والإدارة المحلية .وعقب ذلك، سلّمت “الإدارة المدنية للخدمات” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” مؤسساتها الخدمية لـ”حكومة الإنقاذ” من مياه وكهرباء ومواصلات وغيرها.
وبدأت الحكومة بفرض سيطرتها على المنطقة ووجهت في 12 من كانون الأول 2017 إنذارًا إلى “الحكومة السورية المؤقتة” يقضي بإمهالها 72 ساعة لإغلاق مكاتبها في محافظة إدلب شمالي سوريا والخروج من المنطقة.
____
مكتب شؤون المنظمات
أَسست هيئة تحرير الشام في شهر تموز من عام 2017 ما عرف باسم “مكتب شؤون المنظمات” في الشمال السوري بهدف معلن وهو تنظيم العمل الإنساني في المناطق المحررة، وغير معلن وهو التملك في القطاع الإنساني والإشراف على عمل المنظمات الإنسانية وكل ما يدخل للمناطق المحررة من مساعدات وما ينفذ من مشاريع. وفرضت من خلال المكتب قيوداً كبيرة على عمل المنظمات الإنسانية التي أجبرت على الرضوخ لمطالب المكتب بهدف الاستمرار في تقديم الخدمات للمدنيين.
____
نص
____
بلاغ
____
للأمم المتحدة
news.un.org/ar/story/2020/02/1049461
____
آليّة إدخال المساعدات
news.un.org/ar/story/2020/07/1058111
____